|


فهد عافت
العاطفة والتّسلّط!
2022-01-31
- أمس، تحدّثنا عن ذلك الرّابط الخفيّ بين العطاء والمَنّ، وكيف أن أمر التّصفية صعب والخلاص بحاجة إلى تدريبات شاقّة وطويلة!. ظنّي: أمور كثيرة أُخرى تختلط في تفاصيلها وقد تنقلب مضامينها فيما لو لم ينتبه الواحد منّا ويظلّ على حذر!.
- خُذْ عندك مثلًا، نسبة الغرور التي يُمكن لها التداخل مع التواضع والدّخول فيه، فيما لو قال أحدنا، وكان صادقًا في قوله أيضًا: “أنا إنسان متواضع”!. وما أكثر ما سمعناها، وقلناها، وردَدْنَا بها مُدافعين: “بالعكس.. أنا إنسان متواضع جدًّا”!.
- تُرى: ألستُ مغرورًا حين أقول أنني متواضع و”جدًّا” أيضًا؟!. طيّب!، على ماذا ومع من رأيتُ نفسي متواضعًا؟! مع الآخرين أليس كذلك؟! طيّب!، ألا يعني هذا أنّني أرى حالي أفضل منهم أو أعلى شأنًا وأرفع منهم؟! لو لم يكن الأمر كذلك، ولو بالإحساس الدّفين، فكيف عرفتُ أنّني متواضع؟! لو كنتُ مثلهم وكانوا مثلي لأصبح من المستحيل معرفة ما إذا كنتُ متواضعًا أو غير متواضع!. لأنه في حالة التشابه والتماثل والتعادل والمساواة لن يكون بمقدوري إيجاد أي دليل على تواضعي!، ولسوف تنعدم لديّ القدرة كليًّا على إثبات هذا التّواضع حتى بيني وبين نفسي!. فما بالك بي، وما موقفي من نفسي، وأنا أضغط مشدّدًا الحروف على كلمة “جدًّا”!.
- آهٍ.. من التّفاصيل، كيف يمكن لها فعلًا أنْ تكون مكمنًا للشيطان!. الشيطان وحده؟! لا، بإمكانه دعوة عدد وافر من الأبالسة وإقامة حفلة صاخبة في هذه التفاصيل!.
- خُذْ عندك: نظنّ أنهما على نقيض، أو أنّ بينهما على الأقلّ من التّنافر ما يكفي للفراق، بينما هما صِفَتَان، نادرًا ما يفترقان: العاطفة والتّسلّط!.
- الأمر يحتاج وعي ومساءلة ذات بتفحّص للنجاة من هذه التّوأمَة المعقّدَة!. كثير ممّن هم بالفعل يتمتعون بعاطفة حقيقيّة وفائضة عن الحدّ، تموج وتضطرب في داخلهم رغبة بالتّسلّط!.
- هي مزيج من ظنّ بأحقيّتنا في ذلك نظير هذه العواطف السيّالة والفائضة عن الحَدّ تجاه الآخرين!. وربما من رغبة دفينة في الثّأر من الآخر لتَسَبُّب هذا الآخَر في هذا الصّخب العاطفيّ الذي يُشعرنا بضعفٍ ما، ضعف ما كان له أنْ يكون فيما لو لم يُبدِ الآخر ما يستوجب شيئًا من العاطفة تجاهه، أيًّا كان نوع هذه العاطفة: حب، امتنان، شفقة، حزن، حنان، مناداة للاحتواء،…!.
- بالنسبة لنا “والحديث عن معشر العاطفيين وعلى افتراض أنني منهم!”، ودون دراية منا، بل وحتى دون فهمنا لإحساسنا الذي لا نجيد استخراجه لأنه دفين بشكل كبير وإلى حدّ بعيد، فإنّ هذا الآخَر مُدَان بتهييج عواطفنا، وكأنّه يدري، أو كأنّه كان عليه أن يدري، بأنّنا أصحاب أحاسيس جيّاشة وعواطف يكفي القليل لإشعالها ثم لا تعود إمكانيّة الإطفاء ممكنة!.
- ما لم ينتبه أحدنا لضرورة العزل والفصل، ويعمل على تفكيك خيوط الحسّ العاطفي “الجيّاش” لديه، وإعادة حياكة السّجّادة من جديد، فإنّه سوف يتسبّب لا محالة في صناعة أزمات نفسيّة لذاته، ولأقرب المقرّبين إليه: الأبناء!.