أحمد الحامد⁩
ومالو..
2022-01-31
أبو عبدالكريم يكبرني بعشر سنوات، درس في مصر وعاد بشهادة جامعية وبمفردة مصرية لازمته طوال 30 عامًا هي “ومالو”، وأعتقد أنها وافقت طبيعته فرافقها، ولو كان لهذه الكلمة أن تنطق لقالت بأن أبا عبدالكريم أفضل من يستخدمني ويضعني في مكاني الصحيح، لأنه يستخدمها في تفهّم من هم من حوله سواء كانوا من أسرته أو أصدقائه أو زملائه، فإذا قيل له بأن فلان ارتكب خطأً ما، قال: ومالو..
يمكن ظروفه صعبة.. يمكن لو كنت أنا في محله سويت نفس الشي. ويستخدمها أيضًا في حل أي خلاف بين اثنين، واشتهر أنه التفت إلى أحد المشتكين قائلًا: ومالو.. أخوك وأخطأ.. مين يسامحه.. نستأجر له واحد يسامحه!؟ أما إذا أخطأت في حق أبي عبدالكريم فلن يستغرق إصلاح الأمر أكثر من ثوانٍ معدودة هي كلمات الاعتذار التي تقولها له وكلمة ومالو التي يرد بها عليك. صار متعارفًا أنه رجل متسامح، وأفضل شخص لديه القدرة على إتمام الصلح بين المتخاصمين، وصارت له مع الوقت مكانة موقعها في القلوب. طوال سنوات كنت أظن أن استخدامه لمالو كان بتأثير إقامته في القاهرة أثناء دراسته فقط، حتى التقيته في أمسية شتائية، كانت الأجواء تسمح بطرح السؤال عن سبب استخدامه المتكرر لكلمة ومالو دون بقية المفردات الأخرى، أي لماذا هذه الكلمة بالذات، لماذا لم تستخدم كلمة إزيك أو أي كلمة أخرى؟ قال إنه عندما كان في القاهرة كان يسكن في شقة تقع في عمارة يملكها رجل كان يردد ومالو كثيرًا، إذا تأخر أحدهم في الإيجار وجاء طالبًا بعض الوقت أجابه: ومالو.. إذا أبلغه أحدهم أن زجاج النافذة قد انكسر قال: ومالو... كان صاحب العمارة رجلًا طيبًا متسامحًا وكريمًا لذلك أحبه الناس وأصبحت له مكانة وكلمة مسموعة في منطقته، وأنه صار صديقًا لصاحب العمارة، وكان يرافقه في الكثير من المشاوير، واستطاع من خلال هذه الرفقة أن يتعلم مبكرًا درسًا مهمًا، يقول بأن صاحب العمارة كان يخسر جزءًا من المال الذي يربحه لأنه كان لا يحمل الساكنين بعض المصاريف التي كان يتوجب أن يتحملوها، وكان يسامح من تعثروا في دفع بعض دفعات إيجاراتهم، وكان يعطي الكثير مما يحصله لمن يقصده ولا يطالب به إذا ما لم يعده إليه، ولا يتأخر إذا ما طلب منه أحد أن يصلح علاقة بين اثنين، يقول أبي عبدالكريم أنه سأل صاحب العمارة لماذا تخسر أموالك وجهدك، أليس من مصلحتك أن تبقي المال لك ولأبنائك؟ كانت إجابة صاحب العمارة أن الانسان في الحياة يسير في طريق له نهاية، وخلال الطريق يلتقي بالناس ويؤثر فيهم، فأي تأثير يريد أن يصنعه؟ وأي أثر يريد أن يتركه؟ وأنه إذا أراد أن يحصل على احترام الناس فعليه أن يحترمهم، وإن أراد أن يكسب محبتهم فعليه أن يسامحهم.