أحمد الحامد⁩
الإيحاء الأول والقراءة
2022-02-05
هل العصافير تغني؟ نحن نستمع للتغريد لكننا لا نعرف إن كان غناءً أم بكاءً، نحتاج إلى كاميرا تراقب حياة كل عصفور لكي نفسر الأصوات التي تصدر عنه، وإن كانت ألحانه تعبير سعادة لوجوده مع من يحب، أو حزنًا لأنه وحيد، لكننا وفي مخيلتنا نعتبر أن الطيور تغرد سعيدة دون أن نعرف ما تقول.
في الطائرة وعلى ارتفاع آلاف الأقدام تبدو الأرض خضراء وأصحاب البيوت المتناثرة يعيشون في هدوء وسكينة، بعيدًا عن ازدحام المدينة ومتطلباتها، فتقفز عند بعضنا أمنية بأن يعيشوا يومًا ما في ذلك المكان، لكننا لا نعرف إن كان سكانها يعيشون بسلام فيما بينهم، أو أنهم يعانون من وحدة ونقص في الخدمات. نحتاج أن ننزل إلى الأرض لكي نتأكد أن لا طين يعرقل حركة الأقدام وهي تمشي على الأرض التي بدت من الطائرة خضراء مستوية. لا ندري إن كان صاحب السيارة الفاخرة التي لفتت أنظار المارة يفكر كيف يقضي وقتًا ممتعًا الليلة، أم أنه ذاهب إلى الطبيب لكي يعالج الأرق الذي حرمه النوم في الليلة الماضية. في الصور الملتقطة للغابات الخضراء تبدو الحياة جميلة ورائعة، لكن الصورة لا تظهر الحيوانات المفترسة والزواحف السامة، الحقيقة وتفاصيلها يعرفها من ناموا ليلة أو أكثر في الغابة. كل ذلك يتضح عندما نقترب ونتعايش مع ما كان يبدو أنه تغريد هناء أو سلام أو حياة سعيدة. يؤلمني أن نخسر سنوات طويلة على اعتقادات خاطئة لاعتمادنا على الإيحاء الأول، والإيحاء الأول قد يكون كاذبًا، والكاذب فيه أشبه بالمحتال الذي يرتدي ملابس باهظة الثمن لكي يوحي بأنه ثري أو رجل أعمال لغاية في نفسه، الإيحاء الأول قد يطلق حكمًا ظالمًا على جسد صغير بداخله قلب أسد، الإيحاء الأول قد يصنع اعتقادًا على أنه حقيقة مطلقة، وإلى أن نكتشف الحقيقة قد نخسر ما نخسره. يفيدنا في معالجة ذلك التمهل والتفكير، وأعتقد أن أصحاب التجارب المتنوعة وقرّاء الكتب هم أكثر من يتمهل ويفكر ويستنتج، مستفيدين من تجاربهم الشخصية في الحياة أو من قراءاتهم وحكايات أبطالها، وهنا تكمن أهمية التجارب والقراءة، الأولى مكلفة وقد تسقطك ولا تستطيع النهوض، مفيدة لكنها باهظة، أما القراءة فهي المتعة والفائدة الغير مكلفة، كل ما تتطلبه منك هو الوقت، الوقت الذي قد تضيعه على اللا شيء.
* إلى كل من أتعبهم الطريق، هذا بعض ما قاله محمد علي كلاي: كرهت كل لحظة من التدريب ولكني كنت أقول لا تستسلم، اتعب الآن ثم عش بطلًا بقية حياتك.