|


فهد عافت
دُخُون!
2022-02-16
ـ التفكير في خَيارَيْن بنفس اللحظة، لا يُنتج خيارًا ثالثًا، ولكنه يُلغي الخَيَارَيْن!، أو على الأقلّ فإنّه يُضعفهما، ويُفلِتُ كثيرًا من زِمام السّيطرة عليهما!.
ـ كُرَة القدم، أكثر المجالات وفرةً لضرب الأمثلة، إذْ ليس أكثر من ضياع الهجمات التي تبدو لوهلة متحقِّقة بنسبة مئة بالمئة لكثرة الخيارات المتاحة للمهاجم! فإذا كانت خيارات مثل التّسديد مباشرةً أو المراوغة ثمّ التّسديد أو التمرير لزميلين يأخذ كل منهما مكانًا رائعًا لإنهاء الهجمة، جميعها متحقِّقَة في نفس اللحظة وباليقين التّام من إمكانيّة إتمامها بنفس القَدْر من السّهولة، فإنّ هذه الاحتمالات ستتضافر مع بعضها البعض، ضدّ من يمتلكها!. ولتفكيكها وتقرير واحدةً منها، سيكون اللّاعب بحاجة لوقت، ثانيّة أو نصف الثّانية، وفي الغالب سيكون هذا الوقت كافيًا للخصم لإنهاء الهجمة، وحتّى حين لا يكون كافيًا فإنّ انتقاء خيار من بين كل هذه الخيارات، لن يبرأ تمامًا من شوائب خَيار آخر تمّ استبعاده قبل جزء من جزء من الثّانية، الأمر الذي سيُربِك الخَيَار الذي تم إقراره، وكثيرًا ما يجيء تنفيذه أقلّ مهارةً وأعقد ممّا كان يبدو عليه الأمر في أوّله!. بسهولة يمكننا ملاحظة أنّ معظم أهداف كرة القدم، سُجِّلَت بسبب قِلّة الخيارات لدى من قاموا بالتّسجيل!.
ـ مرّةً، قرأت ما يمكن اعتباره دراسةً، حول أمر السّعادة في الاقتناء. الخُلاصة كانت عجائبيّة: الأثرياء جدًّا والفقراء جدًّا أقلّ سعادة من متوسّطي الحال ومَن يمكن أن نصفهم بالعاديّين!. الفقراء جدًّا بسبب انعدام الفُرَص تقريبًا لشراء ما يريدون، أمّا الأثرياء جدًّا فإنّهم أقلّ سعادة بسبب وفرة الخيارات!. فهُم حين يشترون “سِلْعَة” ما، يكونون قد تركوا على الأقلّ ثلاثة أو أربعة أو خمسة أنواع من نفس “السّلعة” لها نفس التّصنيف والطبيعة والجودة والشهرة والإغواء والثّمن تقريبًا!. سوف يكون جزء من تفكيرهم (حتّى في اللّاوعي) مشغول بما زَهدوا لا بما وجدوا! بما تجنّبوا عنه لا بما تقرّبوا منه!. نعم، كان يُمكن لهم شراء الأنواع الخمسة أو العشرين، لكنهم في هذه الحالة سيفقدون متعة الانتقاء والتّخيّر!. الانحياز إلى شيء متعة بحد ذاته!. ليس متعة فارغة، بالعكس، إنّه يدخل في نسيج الهويّة والماهيّة!.
ـ على الجانب الآخَر: يُشكِّل جزءًا مهمًّا من سعادة الإنسان متوسّط الحال، شعوره باقتنائه أفضل ما هو متاح له والذي أسهمت إمكانيّاته الماديّة ليس في تحديده فحسب، بل وفي تحييد بقيّة الخَيَارات!.
ـ هل تذكرون السّيّد “خِرَاش” الذي تكاثرت عليه الظِّبَاء في البيت الشهير فلم يدرِ ما يصيد؟! في الغالب، والله أعلم، أنّ السّيّد “خِرَاش” عاد لبيته في نهاية الأمر بصيْدٍ ما!. يصعب تخيّل أنّه رجع خالي الوفاض!. لكنه ظلّ متكدّرًا ولم يلذّ له طعام صيده، لأنّ الفُرَص كانت أكثر ممّا يجب! وبينما كان يَطْعَمُ ممّا بَرَك، كان يُفكِّر فيما تَرَك!.
ـ بالمناسبة: كثير من المبتدئين، ممّن لديهم الرّغبة في الكتابة، ويستشعرون في داخلهم بموهبة وقُدْرَة، يجدون أنفسهم في ربكة و”حيص وبيص” كبيرتين ما أنْ يبدأ واحدهم في الكتابة، والسّبب هو كثرة الأفكار وما يريد قوله!. من يريد قول كلّ شيء لن يقول شيئًا، وكلّما قلّ المُتَاح كان النّجاح!. هذا بالنّسبة للموهوب الماهر طبعًا. ولذلك حُبِسَ كلّ فنّ في قواعده وأُطِرِه: حُبِسَ، لأنّ الفنّان بموهبته ونبوغه ومهارته، يُعطينا عبر هذا الحبس، فقط، معنى الحريّة!.
ـ فيما عدا العطر و”الدّخون”: السّائب.. خائب!.