|


فهد عافت
الشّكّ والغِيرة!
2022-03-13
- المحبّ الحقيقيّ لا يشكّ ولكنه يغار!. الشّكّ في هذه العلاقة الأكثر جمالًا يحيلها إلى بِرْكْة من القُبح!. ولا أظنّ الشّكّ هنا، ولا أحسبه، غير مرض وسوء وشرّ ورداءة وضعف من قِبَل الشّكّاك لا علاقة للمشكوك فيه.. فيه!.
- الشّكّاك في الحبّ مريض بمعنى الكلمة، ومتّسخ من الدّاخل، وهذا مختلف عن الغيرة والتي يمكن لها أن تكون من بعض أنوار التّولّه وفيها جزء من تبيان اشتعال الرّغبة فيما لو كانت هذه الغيرة خفيفة ظريفة متقطّعة ومذوّبة في مياه الثّقة والأمان ذوبان الملح في الطّعام والسّكّر في الشّاي!.
- لكن وما أن تكون الغيرة كبيرة، ومسيطرة، فإنّها ليست سوى شكّ جبان!. شكّ في النفس وانعدام الثقة وانهدام الثبات في الذّات، قبل أن تكون شكًّا وانعدام وانهدام ثقة في الآخر!.
- “الأبنودي” في كل أشعاره وكلمات أغانيه ظلّ يهرب من الغيرة، لا يمرّرها في أحاسيسه تكريمًا للحب والمحبوب!. ليس لديه شطر واحد، ولا كلمة، تقترب حتى من التلميح للغيرة، عاش وأحب وكتب ومات وكأنها غير موجودة!. كان يستهجنها، وفي أحاديثه الخاصة يشتمها بألفاظ لا تصلح للنشر!.
- أظنّ أنّ موقف الأبنودي من الغيرة في الحب كان متطرّفًا، لكنه بصراحة كان موقفًا يشبه الأبنودي في رحابته وإنسانيّته!.
- ظنّي: قليل من الغيرة لا يضرّ، أمّا الكثير منها فيُمكنه هدم أي صرح!، فماذا عن التّوسّط؟! “الغيرة” هنا تصبح كلمة مثل كلمة “الحريّة”، وغيرها من الكلمات التي هي راقية وسامية في أصلها لكن يُمكن دائمًا إساءة فهمها والتّعاطي معها ومن خلالها بصُوَر خاطئة بل وبشعة!. وكثيرًا ما تكون إساءة الفهم هذه مشروعة!.
- فالغيرة في الحب، من قليلها إلى كثيرها، لا تخلو من حبّ الامتلاك، وفيها شيء من الرّغبة في الحبس، حبس المحبوب، أو حبس السّعادة عن المحبوب إلّا من طريق واحد: المُحبّ نفسه!.
- الشّعراء هم الذين كرّسوا “الغيرة” ومنحوها بُعْدًا جماليًّا، وجعلوها من نسيج حكايات الحبّ لا يكتمل حضوره بغير وجودها!. ولعلّهم فعلوا ذلك لأنّ الشاعر فنّان، ولا يكون الفنّان فنّانًا دون أنانية وشعور صادق، حتى وإن لم يكن حقيقيًّا، بأحقّيته في الاستحواذ والسّيطرة والتّملّك، وفي ظنّه بقدرته على الخَلْق، وأحقيّته في تدبير الأمور!. لا أعرف شاعرًا، دارت قصائده حول الحب ولم يكتب شيئًا عن الغيرة أو يقترب منها!. الاستثناء الوحيد الذي أعرفه هو “عبد الرحمن الأبنودي” وقد ذكرته!.
- في الغيرة شيء من حب الذات يتفوّق على حب المرء لمحبوبه، لدرجة عدم تمنّي سعادة المحبوب إلا معه!.
- ونختم، للتّبيان، بأغنية لـ”أم كلثوم”، تترنّم في مقطع يجمع بين الحب والشوق والعطف واللطف والغيرة. مقطع يجمع الطبيعة بالطبع!، جميل ورقيق، لكنّه يُجمّل غيرةً هي الأنانيّة كلّها، وهي الرّغبة في الاستحواذ والتّملّك في أعلى صورهما، لولا أنّه الشعر واللحن المفعم بالتّحنان، والصّوت الذي لا يتكرّر مرّتين:
“أغارُ من نسمة الجنوبِ..
  على مُحَيَّاكَ يا حبيبي!
وأحسدُ الشّمسَ في ضُحَاها..
  وأحسدُ الشّمسَ في الغروبِ!
وأغبطُ الطّيرَ حين يشدو..
  على ذُرَى فرعهِ الرّطيبِ!
فقد ترا فيهما: جمالًا..
  يَرُوقُ عينيكَ يا حبيبي!”.