|


الصين.. أم الحضارات.. تنين بلا نيران في كرة القدم

الرياض – عبدالرحمن عابد 2022.03.23 | 03:07 pm

أقدم حضارة على وجه الأرض، بلد التقاليد والطقوس الغريبة، تفخر بمعالم محفورة منذ آلاف السنين، ويعيش فيها نحو ربع سكان الأرض، أما مساحتها فتتجاوز حجم ألمانيا 27 مرة، ويراهن عليها رجال الاقتصاد باعتبارها القوة العظمى المستقبلية، بيد أنها على صعيد كرة القدم لم يتجاوز منتخبها السور العظيم إلا مرة واحدة، نحو كأس العالم 2002، فيما يأمل المشجعون السعوديون ألا ينفث التنين ألسنة النيران، على الصقور الخضر في سماء الشارقة مساء الخميس، ضمن تصفيات مونديال 2022.



تشير المصادر التاريخية، إلى عمق العلاقة بين الحضارتين السعودية والصينية، قبل الميلاد، والشاهد الأول على ذلك طريق الحرير القديم الذي احتوى عصورا من التناغم والتقارب الثقافي والتجاري بين جزيرة العرب والأجداد الأوائل لوطن التنين، قبل وضع حجر أساس الشراكة الراسخة أواخر أربعينات القرن الماضي، في خضم نزاع الصين مع المجاعة الكبرى إثر انتهاء حقبة أسرة الإمبراطور شينج، التي حكمت البلاد 250 عاما. آنذاك جرى أول اتصال مباشر بين قادة جمهورية الصين الشعبية الجديد وقادة المملكة العربية السعودية، في عام 1949، في محطة ساهمت على مدار عقود في ارتقاء العلاقات بين البلدين العملاقين الآسيويين، تجاريا وسياسيا وثقافيا وأمنيا.



أثناء انهيارالاتحاد السوفيتي في بداية حقبة التسعينات، وقعت جمهورية الصين مع الحكومة السعودية اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، ترتكز على التفاهم والتعاون المشترك على كافة الأصعدة في العام 1990، وتوجت بتعميق العلاقات السياسية بين البلدين أكثر من أي وقت مضى في العصر الحديث، إثر الزيارات الرسمية رفيعة المستوى المتبادلة بين البلدين في السنوات الأخيرة، أبرزها زيارة الملك سلمان عبد العزيز إلى بكين في مارس 2017، حين كان في استقباله الزعيم الصيني شي جين بينغ بقاعة الشعب الكبرى، وتبعها توقيع كلا الحكومتين على 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم في كافة المجالات الاقتصادية والمعرفية والعسكرية.



أخذت العلاقات السعودية - الصينية، منحنى آخر بعد زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى بكين عام 2018، بعد لقائه بفخامة الرئيس الصيني شي، على هامش الاجتماع الأول للجنة رفيعة المستوى الممثلة من كلا البلدين، انعكاسا للتقارب والمصالح المشتركة بينهما في العديد من القضايا السياسية الحساسة، لثقلهما السياسي والاقتصادي على الساحة الدولية، كشركاء في قرارات مجموعة العشرين، باعتبارهما واحدا من أهم محركات ومؤثرات قوى الاقتصاد العالمية، لكون المملكة أكبر الدول المنتجة للنفط، بل مؤخرا أزاحت السعودية الروس من صدارة الدول الأكثر تصديرا للنفط ومشتقات الطاقة للصين، وفقا لوكالة رويترز، ويكفي أن ميزان التبادل التجاري بين البلدين بلغ 39.9 مليار دولار في 2020 رغم تداعيات جائحة كورونا.



وبالمثل تحافظ الدولة الشرق آسيوية، على مركزها كأكبر شريك تجاري للمملكة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2011، بوصول عدد الشركات العاملة في المملكة 150 شركة يرافقهم 27 ألف موظف يعملون في البنية التحتية والطاقة المتجددة والصناعة البتروكيمائية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، في المقابل أوضح ولي العهد في ظهوره الإعلامي الأخير مع مجلة "أتلانتيك" بقوله: "استثماراتنا في الصين أقل من 100 مليار دولار ولكنها تنمو بسرعة كبيرة". وذلك بفضل السيولة والقدرة على ضخ المال بواسطة الصندوق السيادي المصنف الخامس عالميا، أو بعائد توفير ما مجموعه 12% من الطلب على البترول في العالم، وقبل أيام قليلة، زعمت "وول ستريت جورنال" وجود فكرة سعودية باعتماد اليوان بدلا من الدولار في مبيعات النفط للصين، ولكن الرياض نفت الخبر بقولها: لا أساس له من الصحة.



وعلى صعيد اللعبة الشعبية الأولى عالميا، يروي هوه جيان ينغ، محرر صحيفة الصين اليوم، أن القدماء الصينيين كانوا سباقين في اختراع ما كانت تُعرف قبل 3000 سنة باسم "تسوجيوي"، وتعنى ركل الكرة، بدأت باختراع حجري للأطفال، وسرعان ما تطورت إلى مراسم الصلاة من أجل الاستسقاء، قبل أن تتطور في أسرة هان قبل ألفي عام، إلى كرة مصنوعة من جلد الحيوان وتحشى بشعره، إلى أن وصلت ذروة مجدها في عهد هوي تسونغ عام 1279، كلعبة شائعة تمارس بين فرق الإمبراطورية في مناسبات الاحتفال بعيد ميلاد الإمبراطور، وبعد أن احتضنها الإنجليز وحولوها إلى لعبة عالمية أواخر القرن قبل الماضي، ظلت الدائرة المستديرة، عصيّة على الصينيين وغير قابلة للتطور إطلاقا في بلد الحضارات، رغم تحقيقها نجاحات كبيرة على مستوى الألعاب الأولمبية.



لا يليق بالأمة الصينية المشاركة لمرة واحدة في كأس العالم، هذا رأي أصدرته الحكومة في 2015، والتي تبنت إنشاء الأكاديميات ورفع مستوى كرة القدم في سبيل استضافة مونديال 2026 والفوز بمونديال 2030. لاحقا وفي شتاء 2016 شغل الدوري الصيني العام برمته عندما أعلن نادي شنغهاي ضمه المهاجم الأرجنتيني كارلوس تيفيز مقابل راتب سنوي 40 مليون يورو، ليصبح أغلى لاعب كرة قدم في العالم، قبل أن تتوالى هجرات النجوم إلى دوري التنين، بإنفاق بلغ وقتها 450 مليون يورو على استقدام اللاعبين من نوعية أوسكار، هالك، راميريس، أليكس تيكشيرا وجاكسون مارتينيز. ولكن في ديسمبر 2019 توقف الإنفاق الجنوني على الدوري السوبر. وطبقا لسيمون شادويك الأستاذ بجامعة سالفورد البريطانية، فإن تراجع نتائج وتصنيف المنتخب الأحمر إلى الـ75 عالميا، فضلا عن تراكم ديون الشركات المالكة للأندية، أشعرا الحكومة بتعرضها للاستغلال من قبل المحترفين الأجانب، وهو ما دفعها لتحديد 3 ملايين دولار كأقصى أجر سنوي.



على عكس الطريقة الصينية السريعة، تقترب السعودية من بلوغ كأس العالم للمرة السادسة وبخطى ثابتة، إذ يكفيها الفوز على الصين أو خسارة أستراليا من اليابان، ومع ذلك يتذكر السعوديون خسارتهم من ذوي الأعين الضيقة في تصفيات مونديال إسبانيا 1982، رغم تسجيل النيفاوي وماجد عبدالله لهدفين في ملعب ميرديكا الماليزي، بينما لم تشفع جزائية الهريفي في تصفيات إيطاليا 1990، وسجل خالد مسعد في الرياض هدف التقدم بتصفيات فرنسا 1998، أما الانتصار السعودي الوحيد وقع في جدة بنتيجة 3-2 أكتوبر الماضي، فهل يواصل المارد الأخضر تسديد ديونه القديمة ويتبوأ المكانة العالمية المرموقة التي حلم بها التنين الأحمر.. وفشل؟.