|


فهد عافت
الأسلوب والمسلوب!
2022-03-23
يسأل صاحبه: ما الأسلوب؟! كلّما جاء حديثكم عن الفنّ والأدب فإنّ هذه الكلمة تتكرّر! صرتُ أعرف أهمّيّتها ولكني لا أعرفها! ما هو الأسلوب؟!.
- قال صاحبه: أنت لم تقرأ كتبًا كثيرة، ولكنك تحبّ كرة القدم، صحيح؟!. قال: صحيح. قال: كم مرّة شاهدت مراوغة لاعب، أو تمريرة من لاعب، أو هدف مُسَجَّل، وقلت واثقًا: “هذه مراوغة زيدان، أو تمريرة ميسي، أو هدف بطريقة رونالدو”؟ قال: كثير. قال صاحبه: هذا هو الأسلوب!.
- قال: لكن، ولنأخذ زين الدين زيدان مثلًا، فإنني تابعت ولدهُ (إنزو) وكان يقوم بنفس حركاته تقريبًا، حتى ظننتُ أنّه سيكون لاعبًا أسطوريًّا مثله لكنه لم ينجح حتى في أن يكون لاعبًا جيّدًا في فريق عادي، ما فائدة الأسلوب إذن؟!.
- قال صاحبه: (إنزو) لم يمتلك أسلوبًا، امتلك مهارة التّقليد، وهو لو لم يكن ابنًا لزيدان لأقسمتُ على أنّه يكره زيدان الآن!. الفرق بين الأسلوب وتقليد الأسلوب كبير وقاتل!.
- عبر الأسلوب كان زيدان يتصرّف بالكُرَة حسب الحالة، ولا يمكن أن تتشابه حالتان حدّ التّطابق، ومع ذلك ولأنّ زين الدّين زيدان كان يمتلك أسلوبًا، كنتَ ترى ما تظنّه تكرارًا للمراوغة والتمرير والتسديد، ذلك أنّه كان يُطوِّع المختلفات لأسلوبه. أمّا (إنزو) فقد كان مُقلِّدًا ومتَّبِعًا، والمُقلِّد لديه مهارة حفظ الحركات، لدرجة أنّك فيما لو شاهدته في تمرين فردي، لما أمكنك التّفريق بين الاثنين تقريبًا، لكن في الملعب، وفي مباراة حقيقيّة، فإنّ المُقلِّد لا يقدر على تطويع لحظات استقباله للكُرة كما يحلو له، هو ينتظر لحظة يتطابق فيها كل شيء مع كل شيء سابق ليكرر حركة محفوظة سلفًا، وهو فيما لو جاءت هذه اللحظة فسوف يكون مبهرًا حقًّا، لكنها لن تأتي أبدًا، وعلى افتراض أنها أتت، فلن تتكرر إلا مرّة أو مرّتين أو ثلاث مرّات طول عمره في الملاعب!.
- فيما لو استثنينا البدايات البِكْر والمحاولات الأولى لأيّ مبدع، فإنّ الأسلوب لا يتغيّر وإنّما يتطوّر، أو لنقل يتغيّر لأنه يتطوّر، بمعنى آخر: الأسلوب ينمو، مثلما تنمو البذرة فتصير شجرة ويصير لها شكل وظلال وثمار مختلفة عن أي شجرة أُخرى بما في ذلك الأشجار التي هي من فصيلتها ونوعها!. نوع الفن قد يُنتج نفس الفصيلة لكن الأسلوب يُنتِج الطَّعْمْ!. الأسلوب طَعْم والتّقليد طُعْم!.
- هذا عن الأسلوب فماذا عن المسلوب؟! والمقصود بالمسلوب هنا: التّقليد!. المسلوب لا يتطوّر، ولا يتغيّر، اللهمّ إلّا إنْ قُلنا إنّه يتغيّر إلى الأسوأ!. نعم، هو يبدو أحيانًا من نفس النوع والفصيلة من حيث كونه نباتًا، هذا فيما لو لم يكن مصنوعًا من البلاستيك!، لكن حتى في حال كونه نباتًا فهو زهرة مقطوفة من أرضها أو غصن مقطوع من شجرته، ومن المعروف أنّ ورود المزهريّة لا تنمو، وكل ما يمكن لسقايتها بالماء جعلها تدوم نضرة فترة أطول قليلًا!.

-”قفلة”:
سطر من رواية “بحر ساركاسو الواسع” وكأنّه رسالة إلى زين الدّين زيدان:
“لقد جعلت الأمر يبدو في غاية البساطة، كأنّ كلّ واحد قادرٌ على أدائه”!.