أحمد الحامد⁩
وسطية
2022-03-23
ـ الوسطية أعظم سلوك بشري، ولو كانت الوسطية اكتشافًا لاعتبرتها أعظم اكتشاف توصل إليه الإنسان، فمن روائعها أنها مناسبة لكل شيء، وعندما يستفيد منها الإنسان في شؤون حياته فإنها لا تأتي على حساب شيء آخر لأنها معتدلة، فإن كنت معتدلًا في تناول طعامك فستحصل على جسم سليم متناسق، أما الإكثار أو الإقلال فنتيجتهما السمنة أو نقص في التغذية، وإن كنت وسطيًا في إنفاق مالك فإنك لن تتعرض لانتكاسات مالية ولن تصبح بخيلًا، وإن كنت وسطيًا في علاقاتك الاجتماعية فستكون على مقربة من الناس دون أن تكون ثقيلًا عليهم ودون أن تفارقهم.
أما الوسطية في الوظيفة فهي عين العقل كما يقال، فلا أنت الذي أعطيتها كل وقتك على حساب نفسك وأسرتك، ولا أنت الذي قصرت في حقها. وكسب النجاح وأنت وسطي فيه من الانضباط ما يبعد الضرر عنك ولمن هم في محيطك الصغير. عندما راجعت بعض السيّر لبعض الشخصيات التي حققت نجاحًا فائقًا في أمر ما وجدت منها من دفع ثمنًا مكلفًا في سبيل ذلك، لا أقول جميعهم لكن نسبة غير قليلة منهم، لاحظت ميلهم وتركيزهم نحو اتجاه واحد، فبعض من أقاموا علاقات اجتماعية ناجحة واستطاعوا أن يكتسبوا سمعة لامعة جاؤوا بجزء كبير من الوقت لإقامة هذه العلاقات على حساب جزء من الوقت الذي كان يجب أن يعطوه لأسرهم، سمعت عن رجل حقق نجاحًا اجتماعيًا قال في إحدى المرات بعد أن مدحه أحدهم: شكرًا لك ولأبنائي الذين تحملوا غياباتي عنهم. بعض التجار لديهم من الخبرة والتجارب ما يصلح أن يدرَّس في الجامعات وأن ينشر في الكتب، لكن فصلًا من فصول الكتاب سيكون عن الثمن الأسري والاجتماعي الباهظ الذي دفعوه عندما أعطوا الكثير من وقتهم وجهدهم لتجارتهم على حساب أفراد أسرتهم الذين كانوا بحاجة لوجودهم، وليس فقط لوجود المال الذي جعلوه في أيديهم، وهم بذلك ناجحون في التجارة لكن نجاح بعضهم قد يكون على حساب التقصير تجاه الأسرة، وقد يصح أن نقول على بعض الحالات الناجحة أنهم ناجحون في شيء ما وفاشلون في شيء آخر، لأنهم ركزوا نحو اتجاه واحد، وكان الحل العاقل في الوسط، وأن يحققوا نجاحًا لا يأتي على حساب شيء آخر، خاصة إذا ما كان هذا الشيء مهمًا للغاية. الوسطية أفضل نتيجة يستطيع أن يتوصل لها الإنسان إذا ما أتبع منهجها، ولا أريد القول بأنها الوحيدة التي تبعدنا عن الندم، لكنها أفضل من يبعدنا عنه.
ـ وصلتني في رسالة “واتساب” ولا أعرف من القائل: نحن مدينون بالحب لكل من ساعدنا أن نبصر شيئًا جميلًا في أنفسنا حين أوشكنا على الانطفاء.