|


أحمد الحامد⁩
جدل وتمازج
2022-07-12
كنت ممن شهدوا النقاشات والجدل بين الزملاء العرب حول أصول المأكولات والأطباق التقليدية، والجدل هوايةٌ، ليست محصورةً بالعرب، فقد اكتشفت أن شعوبًا كثيرة، تهواه وتمارسه بوصفه روتينًا يوميًّا.
في الجدل الذي كنت شاهدًا عليه مرَّات عدة، كان الكل يدَّعي أن أصل الطبق يعود إلى بلده، وأن الطبق الذي يُقدَّم في البلد الثاني، لا يُعدُّ بالطريقة الصحيحة. أهل الشام يقولون: إن الفلافل ابتكارٌ شامي. وأهل مصر يردُّون، أن “الطعمية” مصرية، وفي العراق يؤكدون، أن الفلافل اللذيذة، هي العراقية بإضافة النكهة المستخلصة من المانجا.
كانت معظم النقاشات تنتهي بتوجيه أحدهم صفة عدم الفهم للآخر: “أنت ما بتفهم بالأكل”. وكانت الإجابة هي نفسها: “أنت اللي مبتفهمش بالأكل”. ومع أن هذا التنوع في صالح المتذوقين، لكن كل منطقة في الأساس لم تتقصَّد الطعم الذي توصَّلت إليه، إنما استخدمت المواد المتاحة آنذاك، فظهرت النتائج على ما هي عليه، وعندما صار هناك تنوعٌ في المواد، تغيَّرت كثير من الأطباق وتطورت.
في العالم هناك اتفاقٌ على أصول بعض الأطباق لحد الآن على الأقل. البيتزا إيطالية، والتاكو مكسيكية، والباييلا إسبانية، لكن بالبحث المعمَّق في أصول هذه الأطباق، قد تظهر لنا نتائج، تغيِّر الصورة النمطية عن أصولها. ألبرتو جراندي، أستاذ تاريخ الطعام الإيطالي، قال في الـ “بودكاست” الجديد: إن “أشهر الأطباق الإيطالية، لا تعود أصولها إلى إيطاليا، أو أنها تمازج بين إيطاليا وبلدان أخرى”. كلام ألبرتو لا يعدُّ عاديًّا بالنسبة للإيطاليين، الذين لا يقل افتخارهم بأطباقهم عن باقي فنونهم، بل إنهم يبالغون في افتخارهم بأطباقهم حتى تشعر بأنها أجمل فنونهم. ويبدو سبب اللغط، القريب من الغضب، الذي سبَّبه ألبرتو، أنه اقترب من شيء عزيز على الإيطاليين، وهي “البيتزا”، حيث قال: إن “البيتزا النابولية الحالية ليست طبقًا إيطاليًّا أصيلًا، بل تمازجًا إيطاليًّا أمريكيًّا”. وأكد أن “البيتزا النابولية الحالية وُلدت في الولايات المتحدة، وحتى الخمسينيات من القرن الماضي، كان الجزء الكبير من الإيطاليين لا يعرفون البيتزا”! وأضاف أن “البيتزا النابولية كانت بيضاء، ومن دون طماطم، وتؤكل في الشارع”. قد يكون كلام ألبرتو صحيحًا، لأنه الأقرب للمنطق.
معظم أطباق الأطعمة نتاج مشترك على مر السنين، وليست أطباق الأطعمة فقط، بل ومعظم الابتكارات كانت تنمو وتتطور عندما يضيف أحدهم إضافةً عليها. الولايات المتحدة تورَّطت عندما أقرَّت بأن أي إضافة على أي ابتكار يعدُّ ابتكارًا جديدًا، حيث تلقف الصينيون هذا القانون، وبدؤوا ولم يتوقفوا.