لكل شيء ثمن، وبعض الأثمان يتأخر دفعها لكنها تظهر، تثير المدينة حماس الموظفين الجدد، كأسلوب حياة تحيطه الخدمات من كل مكان، لا تحتاج إلا للاتصال لكي يصلك طعام أعده لك طبّاخ محترف، وعلى عنوانك ستصلك كل المنتجات التي اشتريتها من كل مكان في العالم، وإذا ما تعطل شيء في البيت فبنفس الطريقة.. تتصل وسيأتي من يصلح لك العطل، أما المستشفيات فكثيرة وقريبة إذا ما اضطررت للذهاب للمستشفى لا سمح الله.
وقد تحتار في أي مدرسة ستلحق أبنائك لكثرة المدارس المتميزة، ولن تشعر عائلتك بالملل لأن المراكز الترفيهية كثيرة، وقد يتطلب منك الدقة في ضبط أوقاتك إذا ما كنت من الذين يتابعون المؤتمرات والمعارض، لكي لا يفوتك شيء منها. لكني ومع ذلك كنت في مرحلة الشباب أصادف الكثير من الزملاء الأكبر عمرًا وهم يمنون النفس بالعودة إلى القرية لكي يعيشوا مرحلة تقاعدهم، كان العم أحمد كما أسمية وهو أستاذ في مجاله، كثيرًا ما يردد: عاوز الوقت يعدي بسرعة.. عاوز أرجع.. حنام عالسطح لما أشبع نوم! وكان العم أحمد يعيش منذ أربعين عامًا في المدينة، وكان ناجحًا وغارقًا في خدماتها. أما محمد الذي كان يحب شرب القهوة في بهو فنادق الخمسة نجوم فكان لا يكف من الحديث عن وجبة الإفطار الذي كانت تعده والدته مع إطلالة النور الأولى، وكان لشدة حنينه يضخم كل شيء: يا أخي كل شيء هناك صحي.. الأكل صحي، العسل طبيعي.. السمن طبيعي.. اللبن بلا منكهات وخرابيط.. نأكل من الأرض.. مش من المعامل! الشخص القبل الأخير الذي صادفته هو آخر من كنت أتوقع أن يفكر بالعودة إلى قريته، لأنه من أكثر المنعمين بالمدينة، ومن أكثر الذين استفادوا من نموها وتمددها، كان يعرف أنها ستكبر، لذلك كان يشتري أرضًا على أطرافها بكل ما جمعه من مدخرات، كرر ذلك عدة مرات على سنوات طويلة وكان يكسب في كل مرة، لم يبخل على نفسه وتمتع بخدمات المدينة، وسافر وتجول في القارات عبر الطائرة والسيارة والباخرة والقطار، قبل أيام كنا على الغداء، كان قد قارب الخمسين، قال ما جعلني أكتب هذا المقال: الحمد لله.. شوي وبخلص بيت الضيعة.. بنيته عمزاجي.. شو مشتاق عيش هنيك.. تعبت! أما الشخص الأخير فهو أنا.. لكنني لم أولد في قرية بل في مدينة، وكانت مدينة حديثة، وبعد سنوات من بداية الشباب فهمت أن الركض في المدينة متعب، لأنك تدفع مقابل كل شيء، وضغوطات الركض تحرمك من جماليات الحياة، فتتحول إلى آلة عاملة لكي تسدد فاتورة المدينة، تمنيت مغادرتها باكرًا، والعيش في شيء أشبه بالواحة أو المزرعة، ما زالت الأمنية موجودة، ويبدو أنها تلّح بشدة هذه المرّة.
وقد تحتار في أي مدرسة ستلحق أبنائك لكثرة المدارس المتميزة، ولن تشعر عائلتك بالملل لأن المراكز الترفيهية كثيرة، وقد يتطلب منك الدقة في ضبط أوقاتك إذا ما كنت من الذين يتابعون المؤتمرات والمعارض، لكي لا يفوتك شيء منها. لكني ومع ذلك كنت في مرحلة الشباب أصادف الكثير من الزملاء الأكبر عمرًا وهم يمنون النفس بالعودة إلى القرية لكي يعيشوا مرحلة تقاعدهم، كان العم أحمد كما أسمية وهو أستاذ في مجاله، كثيرًا ما يردد: عاوز الوقت يعدي بسرعة.. عاوز أرجع.. حنام عالسطح لما أشبع نوم! وكان العم أحمد يعيش منذ أربعين عامًا في المدينة، وكان ناجحًا وغارقًا في خدماتها. أما محمد الذي كان يحب شرب القهوة في بهو فنادق الخمسة نجوم فكان لا يكف من الحديث عن وجبة الإفطار الذي كانت تعده والدته مع إطلالة النور الأولى، وكان لشدة حنينه يضخم كل شيء: يا أخي كل شيء هناك صحي.. الأكل صحي، العسل طبيعي.. السمن طبيعي.. اللبن بلا منكهات وخرابيط.. نأكل من الأرض.. مش من المعامل! الشخص القبل الأخير الذي صادفته هو آخر من كنت أتوقع أن يفكر بالعودة إلى قريته، لأنه من أكثر المنعمين بالمدينة، ومن أكثر الذين استفادوا من نموها وتمددها، كان يعرف أنها ستكبر، لذلك كان يشتري أرضًا على أطرافها بكل ما جمعه من مدخرات، كرر ذلك عدة مرات على سنوات طويلة وكان يكسب في كل مرة، لم يبخل على نفسه وتمتع بخدمات المدينة، وسافر وتجول في القارات عبر الطائرة والسيارة والباخرة والقطار، قبل أيام كنا على الغداء، كان قد قارب الخمسين، قال ما جعلني أكتب هذا المقال: الحمد لله.. شوي وبخلص بيت الضيعة.. بنيته عمزاجي.. شو مشتاق عيش هنيك.. تعبت! أما الشخص الأخير فهو أنا.. لكنني لم أولد في قرية بل في مدينة، وكانت مدينة حديثة، وبعد سنوات من بداية الشباب فهمت أن الركض في المدينة متعب، لأنك تدفع مقابل كل شيء، وضغوطات الركض تحرمك من جماليات الحياة، فتتحول إلى آلة عاملة لكي تسدد فاتورة المدينة، تمنيت مغادرتها باكرًا، والعيش في شيء أشبه بالواحة أو المزرعة، ما زالت الأمنية موجودة، ويبدو أنها تلّح بشدة هذه المرّة.