|


أحمد الحامد⁩
دون أثر!
2022-09-21
لا يمكن لمطعم وجبات سريعة أن يكون لذيذًا للدرجة التي ينافس فيها المطاعم الذي تُعد طعامًا أخذ وقته في الطهي، وتم الاهتمام بتفاصيل مذاقاته، وهذا ما جعل أسعار الوجبات السريعة مع انتشارها الواسع أرخص ثمنًا.
في الأدب يكتب الأديب رواية تستغرق منه شهورًا أو سنوات، يطبع منها أعدادًا تقل بكثير عن طبعة عدد واحد من مجلة ترفيهية، لكن الرواية تبقى الأكثر قيمة وفائدة ومتعة، وفي عالم السيارات تستغرق صناعة سيارة عادية أيامًا قليلة، بينما تستغرق السيارات ذات القيمة العالية عدة أشهر.
استغرق تلحين أغنية قارئة الفنجان شهورًا، تم إنتاج خلال هذه المدة عشرات الأغاني التي نسيها الجمهور، وبقيت قارئة الفنجان هي قارئة الفنجان.
والزائر لإيطاليا يجد نفسه في متحف مفتوح، المباني الرائعة التي اشترك فيها المهندس والنحات معًا، وعلى من يريد أن يصور المباني في المدن الإيطالية أن يجهز كاميرته بذاكرة كبيرة الحجم لأعداد التحف المعمارية الكبيرة، ويكفي نظرة واحدة لتعرف أن كل مبنى استغرق بناؤه سنوات. أكثر ما أفسد الأفكار الرائعة سرعة تنفيذها وتقديمها دون تمهل وتأمل، وكأن المنفّذ أيًا كان مجاله مطارد من شبح ما، فلا يقدم قيمة عالية ويمر محتواه دون أثر. شاهدت بعض الذين يقدمون مجهودًا دون أثر، كانوا يضعون اللوم على أي شيء غير أنفسهم، كانوا يقدمون محتواهم بسرعة، دون أي تفكير عميق يفتح لهم آفاقًا جديدة في ما يقدمونه، ثم إذا ما لم يجدوا نجاحًا يكررون طريقتهم ذاتها، وينتظرون نتيجة مختلفة، لكنها لا تختلف.
في يوم من الأيام تعرفت على مهندس ديكور مختص ببناء الديكور للمسرحيات، عندما زرته في معمله كان يحضّر ديكورًا لمسرحية في فرنسا، شاهدت تفاصيل البناء الدقيقة وكأنها ستبقى كبناء ثابت وليس لمسرحية تقدم عدة أشهر ثم يفكك ديكورها، عندما سألته عن المدة التي يستغرقها تجهيز الديكور أجاب بأنها 6 أشهر، وأنه سيكون مشغولًا طوال عام ونصف لتحضير ديكورات لمسرحيات أخرى، كان مستوى الديكور الذي كان يعمل عليه كافيًا لمعرفة أسباب طلب المسارح منه أن يبني ديكور مسرحياتها.
تذكرت عندما خرجت منه تلك المسرحيات التي شاهدتها وكان ديكورها قطعًا قماشية. يخطئ كل موهوب عندما يستعجل في تقديم محتواه دون أن يقدمه بأفضل صورة ممكنة، والأفضل ألَّا يقدمه بسرعة بحجة ضيق الوقت، فالناس لا تعرف التفاصيل التي عملت بها، ولها أن تحكم على ما قدمته فقط.