|


محمد المسحل
هل البقاء للأفضل؟
2022-10-21
مع تغيُّر الدول والمؤسسات بشكل عام، تتغيَّر الأسماء والوجوه والمسؤوليات لتغيُّر السياسات والتوجُّهات، ومع ذلك تبقى دائمًا شريحةٌ من البشر تجيد، وبدرجة الامتياز، البقاء في ظل موجات التغيير تلك.
بعض هؤلاء الأشخاص يضيف فائدةً كبيرةً لهذه المؤسسات ومسؤوليها المتعاقبين عليها باستخدام خبراتهم التراكمية، والمعلومات التاريخية القيِّمة التي يملكونها، خاصةً تلك التي لم ولا تُكتب أو تُدوَّن إلا في الذاكرة الشخصية لكلٍّ منهم. لكن تظل شريحةٌ من هؤلاء، تصنع من نفسها حرسًا قديمًا، يقف حائلًا أمام أي قرارات تطويرية، ويعمل جاهدًا على “تطفيش” كل مَن يعمل ضد أجنداته الشخصية، لدرجة أن هؤلاء قد يعملون على إحاطة رأس الهرم الإداري الجديد في تلك المؤسسة “ببراعم” وأتباع لهم، يؤثرون بشكل مباشر في اتخاذ القرار، وتطوُّر المؤسسة، بل وتقريب مَن يريدون، وإبعاد مَن لا يرغبون فيه بشكل يصعُب على الشخص العادي، أو المستجد ملاحظته! ويشوِّهون صورة الأشخاص، أو يحسِّنونها للمسؤول الأول بناءً على ما يتمخَّض عنه اجتماعهم في الديوانية، أو “مجموعة الواتس” خاصَّتهم.
هؤلاء لا يرقبون في مصلحة المؤسسة ولا رئيسها إلًّا ولا ذمة خلال سعيهم إلى السيطرة التامة، أو الجزئية عليها، ويعملون كل ما يستطيعون لخفض رؤوسهم خلال عواصف التغيير من أجل ضمان بقائهم “أو بقاء أغلبهم” فيها، من ثم العمل من جديد على تطبيق سياساتهم، التي غالبًا ما تؤدي إلى الإضرار بمصلحة المؤسسة، بل وبنجاح رأس هرمها أيضًا، الذي أتى أساسًا للإصلاح والتطوير، ولم يُوفَّق بسبب تكتل هؤلاء في الإدارة التنفيذية والوسطى. قد يُفاجأ المسؤول بأن هناك إدارةً، أو إدارات، تعمل بالنظام العائلي البحت، حيث يكتشف أن فيها أشقاء وعدلاء وأنسابًا وأبناء عمومة وزملاء مهنة سابقون، عملوا على التجمع في المؤسسة الجديدة، والاصطفاف من جديد، من ثم شكَّلوا جميعًا سياسةً خاصةً بهم في العمل، تتوافق، أو تتنافر مع السياسة التي يريدها رأس هرم المؤسسة، ومن الصعب جدًّا اختراقها. المسؤولون المستجدُّون، يحتاجون إلى استشارات من خبراء من خارج المؤسسة، يقدمون لهم الصورة التي يرونها عن مؤسستهم، ويروون لهم القصص التي لم يستمعوا لها بعد عن كل مَن وجدوهم على مكاتبهم عندما وصلوا إلى هذه المؤسسة، والمسؤول الذكي والمقتدر والمحنك، هو الذي يستطيع أن يميّز بين ما هو صحيح، أو قريب إلى الصحَّة، وبين ما هو غير صحيح، أو بعيد عن الصحَّة، بالتالي يضع خطة التغيير التدريجية، أو الفورية التي يراها ممكنة ويسمح بها النظام. طالما ذهب بعض المسؤولين الجيدين ضحايا لهؤلاء، صار البقاء ليس دائمًا للأفضل.