|


جبر الشايقي
التجاوزات الإعلامية في المجال الرياضي.. إلى أين؟
2022-10-30
تشهد المملكة العربية السعودية نقلة نوعية واثقة في التنمية بمشاريع وبرامج ومبادرات وطنية شاملة ومتكاملة، فاتخذت لها، وبفخر، مسارًا نهضويًا طموحًا عبر رؤية 2030، وهذه النقلة جعلتها بين دول مجموعة العشرين، من أكبر اقتصادات العالم نموًا وأسرعها على الإطلاق. وترتكز هذه الرؤية بقيادة عرابها سيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء على مكامن القوة ومنها المجتمع الذي بدأت الرؤية منه وإليه تنتهي، فعملت على بناء مجتمع حيوي، يعيش وفق مبادئ سامية يستمدها من دينه وتقاليده الأصيلة بوسطية واعتدال، ليحافظ على تماسكه وترابطه والتفافه حول قيادته.

وقطاع الرياضة أحد أهم مظاهر التحول التنموي والحضاري الكبير باعتباره ركيزة من ركائز التنمية البشرية والاقتصادية، وتلبية مجتمعية، ومن العوامل المهمة في حماية المجتمع وتحصينه من الأفكار المنحرفة والهدامة، كما أنه مما يرسم صورة ذهنية عن السعودية وشعبها، ووسيلة فاعلة في التواصل مع شعوب العالم ومد جسور السلام والمحبة مع الجميع، وقد حقق قطاع الرياضة في المملكة قفزات تاريخية في بضع سنوات، ساهمت وبقوة في تحقيق المستهدفات الرياضية للرؤية، كما تحولت المملكة إلى بيئة تستهدف جلب رياضيات عالمية جاذبة، باستضافة أحداث وبطولات رياضية عالمية، لتؤكد قوة الإمكانات، وقدرتها الاحترافية على تنظيم أقوى البطولات العالمية، فقد نظمت كأس السوبر الإيطالي والسوبر الإسباني، كما استضافت سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا 1 وفورميلا إي، ورالي داكا، وبطولات على مستوى المنتخب والأندية والأفراد في الرياضات كافة، كما مكنت المرأة من ممارسة الرياضة ووسعت مشاركتها في جميع المجالات، وها نحن اليوم وأمام مرأى العالم نقيم بطولة الألعاب السعودية 2022 والأولى من نوعها.
وقد أسهمت احترافية هذه المنجزات، وتلك المكتسبات في جذب المزيد من الجماهير المهتمة بمشاهدة الأنشطة الرياضية السعودية المختلفة، سواء من الجماهير السعودية أو الخليجية أو العربية أو الآسيوية والعالمية، وتصاحب هذه المتابعة وهذا الاهتمام أساليب وطرق مختلفة لتشجيع الفرق والأندية الرياضية، مما قد تنتج عنها ظاهرة التعصب (prejudice)، التي قد تتطور إلى سلوكيات تخرج الأنشطة والفعاليات من مضمونها وتنزع قيمتها التنافسية، عبر ما يصدر من الجماهير أثناء المباريات من تهكم وسخرية وألفاظ نابية بذيئة وسب وشتم وكذلك ما تتم مناقشته في بعض البرامج الرياضية المرئية والمسموعة، بالإضافة إلى ما يطرح على شبكات التواصل الاجتماعي، وما يكتب في الصحف من مقالات وتعليقات وتعقيبات.

والإعلام الرياضي بهذه الوسائل المتعددة حجر الزاوية في المنظومة الرياضية، ويعد من العناصر الرئيسة والمهمة في تطور القطاع الرياضي، وله دور إيجابي في ذلك، إلا أن له تأثيرًا سلبيًا ملاحظًا عبر نشر وتغذية التعصب الرياضي لدى الجماهير واللاعبين والإداريين والحكام وجميع العاملين في المنظومة الرياضية، ووفق دراسات علمية فقد تبين دور الإعلام الرياضي الكبير في إثارة التعصب الرياضي وقد فسر الباحثون هذه النتيجة من خلال ما ذهبت إليه الدراسات (نظرية الغرس الثقافي) التي ترى أن وسائل الإعلام قادرة على التأثير في معرفة الأفراد وإدراكهم لما يحيط بهم لدرجة كبيرة خاصة الأفراد الذين يشاهدون الوسائل بصورة مكثفة ومبالغ فيها تؤدي إلى اكتساب المتلقي مجموعة من المعاني والمعتقدات والأفكار والصور الرمزية، وأوضحت نتائج هذه الدراسات أن أفراد عينات مجتمع الدراسات يرون أن أكثر مصادر ًًالتعصب الرياضي هو ناتج عن وسائل الإعلام، وأن الإعلاميين هم أكثر تأثيرًا في التعصب الرياضي، وجاء أيضًا في النتائج أن بعض البرامج تتضمن نقاشات تثير التعصب الرياضي وتمارس السلوك المتحيز، وأن هناك كتّابًا وصحافيين ينشرون التعصب من خلال مقالاتهم وتفاعلهم على شبكات التواصل الاجتماعي بتحيزهم ونشر أخبار مغلوطة وتدليس في نقل الأحداث. وتتناقل الجماهير المقاطع والمقالات والتغريدات في ما بينهم من خلال تطبيقات التواصل، مما يؤجج التعصب ويوقد نيرانه بشكل أوسع.

وحتى لا نفقد بريق ما تحقق من مكتسبات يفخر بها الوطن بين دول العالم قاطبة عبر تأجيج التعصب وإذكاء نيرانه، علينا رفع المستوى الثقافي للوسط الرياضي من خلال حملات توعوية نوعية على الأصعدة كافة تقوم عليها لجان متخصصة من جهات متعددة ويمولها القطاع الخاص، وإشراك وزارة التعليم في هذه الحملات في المدارس والجامعات، كذلك علينا القيام بالتأهيل المستمر للإعلاميين الرياضيين عبر دورات تدريبية متخصصة وورش عمل تعزز أخلاقيات المهنة الإعلامية، مع إصدار قوانين واضحة ومحددة تمنع المخالفات والتجاوزات بعقوبات رادعة.
وختامًا نناشد جميع العاملين في الإعلام الرياضي بأن نكون دروعًا ضد من يؤجج التعصب في هذا الوطن عبر وسائل إعلام معادية تقتات على تناول رياضتنا ومنافساتنا المختلفة. ومن خلال حسابات وهمية على شبكات التواصل الاجتماعي، تقوم على هدم اللحمة الوطنية بزرع التعصب والتحريش بين الجماهير، فلنكن يدًا واحدة في إشاعة الوئام والوفاق بين الجماهير والأندية والعاملين بها، وليكن الوطن ورفع رايته همنا وهاجسنا الأول كيف لا ونحن مقبلون على مشاركة مهمة في كأس العالم في قطر 2022 ونأمل في تحقيق منتخبنا نتائج واعدة تعكس اهتمام قيادتنا برياضة الوطن.