|


أحمد الحامد⁩
النجاح
2022-10-30
غريب أمر الذين ربطوا النجاح بالمال وحده، أو تحقيق الذات من خلال الثقة بالنفس، أحيانًا أسأل نفسي: هل تعلّم هؤلاء في الجامعات ليكتبوا لنا أن النجاح مال ومنصب؟ مطابع تطبع كتبًا ما سميّت بتطوير الذات، عناوين كتب: كيف تحقق الثروة! كيف تصل إلى أعلى المناصب، الثروة بانتظارك! اترك الوظيفة وكن أنت صاحب الشركة! أنت تستطيع! كتب باع بعضها أكثر من مليون نسخة، وكأن تحقيق الثروة أو الوصول للمنصب الكبير ممكن من خلال اتباع الكاتالوج الذي وضعه الكاتب.
في معظم هذه الكتب هناك صفحات متشابهة، ويبدو أن المؤلفين ينقلون من بعضهم، صفحات تطالب القارئ أن يثق بنفسه أولاً ثقة عمياء، أن يؤمن بأنه قوي وقادر، أن يدرك أن نجاحه بيده لا بيد غيره، جميع من كتبوا على هذه الشاكلة إنما مسكوا من صدّقهم من يديه وقادوه إلى حافة الجبل وألقوا به من أعلى. وشاهدت بعض المحاضرين العرب الذين غالبًا مقلدين للأسلوب الأجنبي وهم يطلبون من الحضور والمتابعين أن يثقوا بأنفسهم ثقة مطلقة أيضًا! لم أستمع أو أقرأ يومًا لأحد المحاضرين يُحذّر من خطورة الثقة بالنفس، لأن النفس أمَّارة بالسوء، وأن نفس الإنسان تضعف، وأن الثقة لا تكون إلا بالله، لأن الله هو القوي، ولأن الله وحده هو الذي يوفق الإنسان ويرزقه ويحفظه، فكيف يثق الإنسان بنفسه وهو لا يستطيع حفظ نفسه، ولا يستطيع أن يرزق نفسه، ولا أن يحفظها لأن الحافظ هو الله سبحانه! وأن التوفيق من الله عز وجل. أنا واحد من الذين اشتروا كتب تطوير الذات، وهنا لا أعمم على جميع الكتب، فبعضها مفيد لأن مواضيعها جيدة، والكثير منها لم أقرأه، ولو قررت قراءتها فلن أستطيع لكثرتها ولكثرة ما يصدر منها سنويًا. لاحظت أن معظمها تربط النجاح بالمال لا بالطمأنينة والرضى، وبالحصول والأخذ لا بالعطاء والمساعدة، ومعظمها تصوّر المجد بأرقام الرصيد البنكي لا برصيد فعل الخير والتراحم، كُتب معظمها تصور الحياة سباق شرس هدفه الوصول لأكبر كمية من المال أو أعلى المناصب الإدارية، وكأن غاية الحياة هو المال والمنصب!. معظم هذه الكتب، خاصة المترجمة، لا تنفعنا، فنحن لا نعيش من أجل المال والمناصب، بل من أجل عبادة الله ورضاه أولاً، هذا هو الأساس، وعلى هذا الأساس نعيش، أما المال فهو زينة الحياة الدنيا، نعمل لكي نحصل عليه لندير مصاريف حياتنا بما يرضي الله، والله يرزق من يشاء، ولو أخذنا بمقياس معظم كتب تطوير الذات التي تصوّر الحصول على المال والمناصب معيار النجاح الوحيد وغاية الإنسان في الحياة لصار واقع حياتنا قاسيًا لا رحمة فيه. حياة الإنسان رحلة تملؤها الاختبارات، وطريق النجاح واضح جدًا بتمسكنا بتعاليم ديننا التي حمت الإنسان وحفظت كرامته، والسعيد من هداه الله ونال رضاه، هذا هو النجاح.