اليوم.. المراهق ومارادونا يربكان النصيري
“لا أعرف يا أمي هل أشجع مارادونا اليوم أو أهتف لوطني إيطاليا.. إنني أعيش حالة متقدمة من ارتباك المشاعر”.. هذا ما قاله مراهق يعيش في حي “فيا مايو دي بورتو” على أطراف مدينة نابولي الإيطالية قبل ساعات من مواجهة عاصفة وقاتلة بين إيطاليا والأرجنتين ضمن منافسات نصف النهائي لكأس العالم 1990..
الذي زار نابولي ولو ليوم واحد يعرف الأثر الذي تركه ذلك المربوع الأسطوري في تفاصيل المدينة التاريخية الجنوبية الغافية على سواحل البحر الأبيض المتوسط..
عشق أهالي نابولي مارادونا بشيء من الخيال وأشياء من الجنون.. أحبوه حبًا جمًا.. قاد فريق مدينتهم السماوي إلى التفوق والانتصار والغلبة والتجلي أمام أندية المال والثراء والسطوة القابضة على أدوات الفوز مثل فريق العاصمة روما وثنائي مدينة ميلانو الإنتر وميلان وزعيم مدينة تورينو اليوفي العملاق الكبير..
بعدما قاد مارادونا نابولي إلى انتزاع الدوري الإيطالي عام 1987 ذهب الناس إلى المقبرة وكتبوا على الأضرحة: “لو تعلمون ما فاتكم”..!!
جملة بسيطة وقصيرة توجز ما تكتنزه القلوب عن ما فعله مارادونا..
وقع المحظور.. جاء وقت الحقيقة.. وكما يغني فنان العرب “جاك علم الصحيح وراح هرج المزوحي”.. الآن مارادونا يواجه إيطاليا.. كان يصطدم بالأندية الإيطالية وكل أبناء نابولي يساندونه ويشجعونه ويصرخون من أجله..
الآن مارادونا أمام العاصفة.. أمام إيطاليا الدولة والوطن والشعب..
والمفارقة الأكثر جدلًا وتعقيدًا أن نابولي المدينة ستكون مسرحًا للمباراة.. ذاك المراهق حسم قراره واتجه إلى الملعب ليشجع بلاده ورفع داخل المدرجات مع أصدقائه لافتة عريضة كتبوا عليها: “مارادونا.. نحن نحبك لكن إيطاليا هي وطننا”.
مارادونا نفسه عاش وضعًا مرتبكًا.. الإعلامي الأرجنتيني دانييل أركوتشي تحدث في فيلم وثائقي عرض عام 2019 عن حالة الأسطورة في ذلك اليوم وقال: “أراد من أعماق قلبه أن ينتصر ويصل إلى النهائي، لكنه كان يعرف تمامًا أنه سيكسر بهذا الفوز كل ما يربطه مع الإيطاليين إلى الأبد”..
انتهت المباراة “1ـ1”.. احتكم المنتخبان الباذخان إلى ضربات الحظ الترجيحية وفاز أرجنتين مارادونا “4ـ3”.. وخرجت إيطاليا من مونديال تستضيفه وكانت تمني النفس بالحصول على لقبه.. بعد نهاية المباراة كتبت صحيفة توتو سبورت في عنوانها الرئيس: “مارادونا هو الشيطان”!!
اليوم هناك ضوء قاتم يتسلل من ذاكرة مارادونا إلى آفاق مونديالية غريبة حينما يلتقي المغاربة بالإسبان بحثًا عن إنجاز تاريخي بالوصول إلى دور الثمانية للمرة الأولى..
يتسلح المدرب المغربي وليد الركراكي بأربعة رجال ينشطون في دوري الإسبان.. يتقدمهم المهاجم يوسف النصيري الذي هزَّ شباك كندا ويمثل إشبيلية، وبجواره أيضًا ياسين بونو حارس عرين أسود الأطلس وحامي شباك إشبيلية..
أما جواد الياميق فهو أحد عناصر بلد الوليد.. وأخيرًا يأتي عبد الصمد الزلزولي، الذي لا يستعين به الركراكي كورقة أساسية، قادم هو الآخر من أوساسونا الإسباني..
بالطبع وبالتأكيد سيبذل الدوليون المغربيون الأربعة كل طاقتهم ليساهموا بانتصار لا ينسى إن حدث لمنتخب بلادهم، لكنهم ربما يواجهون مصير مارادونا نفسه..
ربما تخرج صحيفة “ماركا” الإسبانية ذائعة الصيت وتكتب في عنوانها الرئيس غداة اليوم التالي للمباراة.. “النصيري هو الشيطان”..
في طريقهم للملعب سيتذكر النصيري ورفاقه معيشتهم في إسبانيا ورفاقهم وأزقة حارات مدنهم هناك وأنديتهم وجماهيرها..
سيعيشون وضعًا نفسيًا مرتبكًا كما كان حال مارادونا..
قد لا يكون هناك مراهق إسباني يفاضل بين النصيري وفوز بلاده فالنصيري بالنسبة إلى إشبيلية ليس مارادونا بالنسبة إلى نابولي..
يبحث المغرب اليوم عن الفوز.. ويبحث اللاعبون الأربعة عن الفوز وعن أشياء أخرى..!!