اليوم رقم 18.. قانون كريسبو «اتركوهم يبكون»
من لم يبك بعد؟ سؤال تردد في الأوساط بعد اليوم رقم 18 ضمن كأس العالم 2022، حيث الجميع كان آملا أن يغلق باب مسكنه مواطناً، مشجعاً، أو لاعباً، محتفظاً برباطة جأشه حتى يعود للخلود إلى النوم، فما بين صوت الأقفال، وصدى فتحها ثانية، ساعات خفقت بها القلوب أضعاف، والأحلام تحت تهديد الكرة والجميع يركلها بلهفة داخل ميدان ملعب المدينة التعليمية، ومسرح لوسيل.
البرازيل وكرواتيا أولاً، كل أنظار العالم تتجه صوب الدوحة، والعيون غارقة بدموعها لا شعورياً، قبل أن تبدأ المعركة، بطاقة نصف النهائي على الطاولة، والتحدي في دور الثمانية، نيمار هنا، ومودريتش هناك، من يدري فربما تكون المباراة الأخيرة لأحدهما ورفاقه على صعيد المونديال، فالموعد الجديد بعد 4 أعوام، وهي فكرة بحد ذاتها تعصر القلب ألماً، فإما الفوز أو الفوز، وهو ما حقق المتقدم في العمر، فاز لوكا، وبكى نيمار، لم ينجح في اختبار الـ120 دقيقة، وما بعدها، لينهار باكياً، وهو المشهد الذي جرّ الكثير إلى دوامة الأحزان أيضاً.
لاعب آخر فقد كل قوته، المعني ريتشارلسون هزمته حسرته، سيطرت عليه بشكل كامل، فأخذ يجهش بالبكاء مثل الأطفال، منذ إعلان البرازيل خارج اللعبة، حتى دخل غرفة تبديل الملابس، ولقاء الإعلام بعينين يكسوها الاحمرار، وتهطل منها مياه الصدمة وهو يقول:" لقد خسرنا، هل تعلمون ما يعني ذلك؟ فقدنا فرصة التتويج، ماذا يسعني أن أقول لكم، دعوني وشأني، هذا وقت العودة إلى غرفتي لأبكي هناك وأنام".
هي اللحظة التي سعى نيمار جاهداً أن يخفيها عن الأنظار، توارى في البداية عن العدسات، ولكن لم تحمله قدميه خطوة أخرى، فافترش الأرض، ولحق بزميله ريتشارليسون، وأدى الدور على أكمل وجه، لأنه أكبر الخاسرين، كيف لا وهو من كان يحتفل بأغلى أهدافه في الثامنة و15 دقيقة، ويذرف دموع الوداع عندما كانت الساعة تشير إلى 8:35.
عشرون دقيقة مرت على نيمار وكأن كل شيء توقف خلالها، إثر سيناريو مرعب لن ينساه طيلة حياته، وهو الوقت ذاته الذي مر بصديقه ليونيل ميسي، قائد الأرجنتين في نزال لوسيل أمام هولندا، خلال المناسبة إياها، 20 دقيقة كادت أن تعصف به وترمي بأحلامه إلى حيث انتهى نيمار، عندما سجلت هولندا هدف التعديل قبل دقائق من النهاية، وعادلت في الدقيقة بعد الأخيرة من الوقت الضائع، (2-2) مع وقت إضافي وركلات حظ، ابتسمت للأرجنتين، لينجو ميسي وجنوده، وسط دموع فرح تساقطت على ورق سيناريو لا يتخطاه إلا الأقوى.
يقول ليساندرو مارتيتيز نجم التانجو الذي فقد سيطرته على مشاعره للصحافيين، ودموعه تبلل الماكيروفون:" منذ أن سددها لاوتارو في الشباك، وأنا بهذه الحالة، هل تصدقون أننا كنا سنسقط؟ رغم أننا قدمنا أرواحنا في هذه المباراة، لعبنا أفضل من هولندا، وتحملنا هدايا الحكم للخصم، إذ أهداهم 11 دقيقة حتى يسجلون، ثم تصدت لنا العارضة، ووصلنا إلى لعبة الترجيحيات، كنا سنغادر بعد هذا الأداء الرجولي، يا إلهي، نحن نستحق الفوز والتقدم".
حالة انهيار ألمت بالكثير، منهم فيجوريست صاحب اللمستين الإعجازيتين التي كان من شأنهما أن تخلداه في زاوية الذكريات بعد أن جلس على كرسي البدلاء، بكى، كما فعل قبل الأوروجوياني لويس سواريز، الإسباني جافي، والياباني يوشيدا، في كأس العالم، يتكرر هذا المشهد، لاعتبارات عدة، على رأسها مسؤولية الوطن، وحلم الطفولة الذي يكبر يوما بعد يوم، حتى يصبح تحقيقه على بعد خطوات فقط، ثم يتبدد في لحظة كروية قاسية، تهدم كل شيء.
تعليقاً على الدموع، يقول كريسبو اللاعب الأرجنتيني السابق في معرض حديثه على بكاء اللاعبين في إحدى المناسبات:" اتركوهم يبكون، فالبعض لا يفهم مشاعرهم جيدا، لقد عملوا طيلة مسيرتهم وهو يمنون أنفسهم بلحظة نيل ذهب كأس العالم، ثم يجدون أنفسهم إما على قرب منه، أو خارج المنافسة، هذه أمور يطول شرح تفاصيلها، إضافة إلى أن حمل شعار المنتخب مهمة ثقيلة جداً عندما يتعلق الأمر بالمونديال، تلعب وأنت تعلم أن كل من في بلادك يتسمر خلف الشاشة، أو يقطع المسافات للمساندة، ماذا تنتظرون منهم حينما تدق أجراس الحقيقة، أيا كانت، إنهم بشر، اتركوهم يبكون".
لحظات من المونديال أوقفتها عدسات المصورين، فأصبحت عالقة في الأذهان، الأرجنتيني مارادونا في نهائي كأس العالم 1990 بعد فقدان اللقب للألمان، الإيطالي روبيرتو باجيو من قالوا عنه أنه "مات واقفاً" في أمريكا بعد أشهر ترجيحية فاشلة اُعلن بعدها البرازيل بطلا لكأس العالم على حساب الأزوري، وانهيار ميسي في بطولة 2014، الأرجنتيني الذي أبكاه الألمان كما فعلوا مع مارادونا، أما الفرنسي زين الدين زيدان، فكان صلباً عام 2006، لم يبك قط بعد أن طرده الحكم في لقطة النطحة الأيقونية، لم يذرف أي دمعة حتى ومنتخبه يخسر لصالح الطليان، ولكن بعد 12 عاما ظهر في 2018 عبر لقاء متلفز، تساقطت خلاله دموعه وهو يشاهد لقطاته مع ماتيراتزي والبطاقة الحمراء الأشهر، وقال:" لست فخوراً بذلك، أحياناً هناك لحظات صعبة في مسيرة كل لاعب، أظن أن هذه لحظتي الأصعب".
في يوم 18 من ديسمبر الجاري، سيمسح أحد القادة دموع فرح، وستسيل على خد الآخر دموع الخسارة، أو بالأحرى كما قال كريسبو:" أتركوهم وشأنهم، دعوهم يبكون، في النهاية، ليس هنالك إلا فائز واحد، هذا هو القانون".