|


روساريو.. أرض الأساطير وقبلة الثوار

الرياض - إبراهيم الأنصاري 2022.12.17 | 11:43 pm

لم يكن سكان مدينة روساريو في شمال الأرجنتين، يعلمون ماذا يحصل في مدينتهم الصغيرة عند الساعة السادسة من صباح 24 يونيو عام 1987، عندما وضعت السيدة سيليا كوتشيتيني مولودها الثالث، وهو ليونيل ميسي في مستشفى صغير بالمدينة يحمل اسم جاربالدي، الطفل الذي باتت أحلام السكان معلقة بأقدامه الذهبية لقيادة الأرجنتين إلى التتويج باللقب الغائب منذ نحو 36 عامًا.
كان الزوجان الأرجنتينيان خورخي وسيلينا والدا ميسي اللذان تزوجا في عام 1978 بكنيسة كورازون ماريا، حيث كانت وقتها حمى كأس العالم 1978، تجتاح الأرجنتين بعد التتويج باللقب الأول، يعيشان حياة طبيعية في المدينة الصغيرة، إذ يعمل خورخي مديرًا لإحدى الإدارات في شركة خاصة، في حين تعمل سيليا في شركة لصناعة المغناطيسيات، ولم يعلم الزوجان خلال احتفالهما بتتويج بلادهما باللقب الأول خلال شهر العسل من زواجهما، أن أحد أطفالهم سيحمل آمال 45 مليون أرجنتيني في إعادة اللقب إلى البلاد.
وتعد روساريو، الواقعة في الشمال على ضفاف نهر بارانا والتي تبعد 300 كلم، عن بوينس آيرس العاصمة الأرجنتينية، ثالث أكبر مدينة في البلد اللاتيني بعد العاصمة ومدينة كوردوبا، واشتهرت بتخريج ألمع نجوم الكرة الأرجنتينية واللائحة طويلة، من جابريال باتيستوتا وخافيير ماسكيرانو، وصولاً إلى جيوفاني لو سيلسو وأنخيل دي ماريا وإيفر بانيجا والبقية.
ولم تتوقف المدينة التي تُعدّ مركزاً لتعاطي المخدرات، وأخطر مدينة في الأرجنتين، حيث تكثر فيها حوادث العنف، التي تنشأ عادة من الصراع القائم بين عصابات تجار بالمخدرات، عن توليد النجوم والمدربين وأشهرهم لويس مينوتي مهندس فوز الأرجنتين بأول كأس عالم في تاريخها، عندما استضافت البطولة على أرضها عام 1978، مرورًا بمارسيلو بييلسا، وماوريسيو بوكيتينو وصولًا إلى ليونيل سكالوني مدرب المنتخب الحالي ومسقط رأسه بوخاتو التي تبعد 35 كلم عن روساريو.
وإذا كانت بوينس آيرس العاصمة الأرجنتينية تفاخر بالأسطورة الراحل دييجو مارادونا، الذي قاد منتخب نجوم التانجو إلى التتويج بلقب كأس العالم 1986 في المكسيك، وبات رمزًا خالدًا في تاريخ بلاد الفضة، فإن سكان مدينة روساريو يطمحون إلى أن يقود ميسي ودي ماريا وسكالوني المنتخب إلى التتويج باللقب العالمي الذي تفصلهم عنه 90 دقيقة أمام الديك الفرنسي ورفاق كيليان مبابي.
لم تقتصر شهرة المدينة الأرجنتينية على إنجاب نجوم الساحرة المستديرة فقط، لكنها كانت أيضًا مسقط رأس الراحل تشي جيفارا الثائر الشيوعي الشهير، الذي كان من أكبر مناصري نادي روزاريو سنترال، على عكس ليونيل ميسي الذي يخفق قلبه بحب الغريم نيويلز أولد بويز، إذ نشأ في صفوفه قبل رحيله باكرًا إلى برشلونة.
جيفارا الثائر الذي قاتل من أجل مجتمع أكثر عدالة وتضامن، وضع له تمثال بعلو 3 أمتار في متنزه روساريو الوطني، على عكس ليونيل ميسي الذي نشر السحر والمتعة في لعبة كرة القدم وبات رمزاً خالداً في المدينة الصغيرة، لكنه لم يحظ بتمثال على غرار جيفارا، إلا أن جدارياته ملأت جنبات المدينة والأحياء الشوارع والأزقة، وبات اسمه علماً من أعلام المدينة يأتي السواح والزوار من جميع أنحاء العالم لزيارتها في كل عام من أجل ليونيل.
ميسي الذي قلدته بلدية المدينة منصب سفير مدينة روساريو الأرجنتينية حول العالم في 2014، يفخر بحبه لمسقط رأسه حيث يقول بعد تكريمه بالمنصب: «إنه لشرف لي أن أنال هذا المنصب، وأتوجه بالشكر لكل من سعى لتكريمي في مدينتي التي أحلم بالعودة للعيش بها بعد اعتزال اللعب لأبقى بين عائلتي وأصدقائي».
عام 2014 أصدر مجلس مدينة روساريو قرار حظر إطلاق اسم «ميسي» على المواليد حديثاً في المدينة مسقط رأس "البرغوث"، بعد موجة ضخمة من طلبات بعض أولياء الأمور لتسمية مواليدهم "ميسي" في الحي الذي شهد ميلاد أسطورة كرة القدم العالمية.
تعيش روساريو حالة من الجنون والترقب والآمال حيث تلهج الأيادي بالدعاء والقلوب بالأماني لرفاق ميسي، أن يحصدوا اللقب في نهائي المونديال أمام الخصم الفرنسي العنيد، وأن يعود الكأس إلى بوينس آيرس وروساريو التي كتب على جدار عملاق بالقرب من المنزل الذي ولد فيه ميسي «من مجرة أخرى ومن نفس الحي».