|


أحمد الحامد⁩
بدايات.. مارس
2023-03-21
كان ينظر من شباك غرفته إلى الأطفال وهم يلعبون، وكان هو الوحيد، الذي يعلم بمدى الألم، الذي يسكنه، كونه مشلولًا، فنحن نعرف أن الأمر يحز في نفسه، لكننا لا نعلم مدى هذا الألم في قلبه، والأمهات اللاتي يلدن أبناءً بحاجة لمساعدة خاصة، ينقسمن إلى قسمين، قسم يحاول أن يجعل الابن قادرًا على الاعتماد على نفسه، وهذه المقدرة تحتاج للتعليم المتواصل وللصبر الطويل، أما القسم الآخر فيقوم على خدمة الابن خدمة كاملة، دون أن يتعلم شيئًا، ودون أن يستطيع الاعتماد على نفسه، فيبقى معتمدًا بصورة كامله على غيره.
أما بطلنا (فرانكلين مارس) فكانت والدته من النوع الأول، الذي يؤمن بأن الإعاقة في شيء لا تعني الإعاقة في كل شيء، فعدم القدرة على المشي لا تعني عدم القدرة على استخدام اليدين، كما أن الكرسي المتحرك يستطيع أن يساهم في التنقل. كانت جدة مارس تحب صناعة الحلويات، مدفوعة بقناعتها بأن لديها يدين سحريتين، وقناعتها لم تكن بعيدة عن الحقيقة، فقد كانت فعلًا تجيد صناعة الشوكولاتة. كان مارس يجلس بجانب جدته وهي تصنع أنواع الشوكولاتة، فبدأ معها كمساعد، ثم أصرت والدته أن يتعلم، وبعد أن لمست أن مارس ورث سحر يدي جدته، أصرت عليه أن يغرق في التعلّم، فقد كانت تدرك أن الغرق في التعلم هو الغرق الوحيد الذي يحيي الإنسان ولا يميته.
بدأ مارس يتعلم من جدته، ثم صنع بنفسه أول شوكولاتة، كان في تلك الشوكولاتة مؤشرًا كافيًا أن مارس موهوب، وللتأكد من وجود الموهبة تمت دعوة أطفال الحارة ليعطوا رأيهم في الشوكولاتة التي صنعها مارس، فالتهموها وطلبوا المزيد! هنا علمت الأم أن ابنها حصل على مهنته مبكرًا.
أصبح مارس يبيع ما يصنعه، يجلس أمام عربته الصغيرة بجانب باب بيته، فتهافت عليه الصغار أولًا، ولأن الشوكولاتة كانت لذيذة فما المانع إذا تناولها الكبار؟ ذاع صيت الشوكولاتة التي يصنعها مارس في محيطه الصغير، وبدأ في جمع المال، لا لمجرد جمعه، بل ليكون رأس المال لمصنعه الذي طمح إليه، وهنا حكاية ثانية، فتعلُم صناعة الشوكولاتة بجودة عالية، لا يعني تعلم دراسة الجدوى والإدارة، لذلك أغلق مارس مصنعه الصغير بعد مدة قصيرة، لأن تكاليف التشغيل كانت أكبر من العائد.
لكنه عاد مرة أخرى، مثلما يعود المؤمنون لأفكارهم العميقة، هذه المرة كان مستعدًا أكثر، والاستعداد مع تزايد الخبرة حققا له النجاح، يكفي أن نقول بأنه صنع في بدايات مصنعه الثاني شوكولاتة (مارس) الشهيرة.
كان ما يزال في بدايات شبابه، ولأن المال استقر بين يديه، وكان الطب حينها يتقدم، وبعد سنوات قليلة من المراجعات والعلاجات استطاع المشي.
كانت ولادة مارس العام 1883 في مينيسوتا الأمريكية، وتوفي العام 1934. أما مصنعه فيحقق في عالم اليوم مبيعات أكثر من 30 مليارًا في العام.