|


أحمد الحامد⁩
بطاقة ثانية
2023-03-30
ـ لا أعرف ماذا نسمي إصرار امرأة على شراء بطاقة يانصيب بنفس الأرقام طوال سنوات، لم تربح أرقام بطاقتها يومًا، وزوجها الصبور حاول أكثر من مرة إقناعها بتغيير الأرقام، لكنها كانت تجيبه بأن أرقامها ستربح يومًا ما.
ولأن الزوج اشترى السلامة والطمأنينة كان يلتزم الصمت، لأن النقاش قد يودي إلى المشاكل، والمشاكل قد تودي إلى فشل الحياة الزوجية، لذلك رأى أن تمرير ما يمكن تمريره أسلم لهما، وبحسبة أخرى يكون التمرير لبعض الأمور مكسبًا أكثر من الخسارة.
قبل أسابيع أوصت الزوجة زوجها ألّا ينسى شراء البطاقة لها، لكنه نسي شراءها هذه المرة، غضبت وأطلقت وابلًا من السهام الكلامية الحادة، من ضمنها أنه لا يهتم لشؤونها، وأنه لم يفعل لها شيئًا، طوال حياتهما، يستحق الشكر، وأنه كثير الخيال، ضعيف الأفعال، سيئ التصرف، لا يحسن التدبير، ولو كان مهتمًا بها لما نسي شراء البطاقة. ولأنه يُمرر.. جعل الصمت رأس المال، جلس قليلًا حتى لا يبدو خروجه من البيت بعد غضبها وكأنه احتجاج ورفض وإعلان موقف. في الطريق إلى البقالة لشراء البطاقة لم يتذكر من كل كلامها الغاضب سوى أنه سيئ التصرف ولا يحسن التدبير، لكنه آثر أن يتذكر الأوقات الجميلة، مدركًا أنها هي الأغلب في حياتهما الزوجية.
لم يسأله البائع عن الأرقام لأنه كان يحفظها، لكن الزوج هذه المرة طلب منه بطاقتين بدلًا من واحدة، فسأله البائع: هل تريد بطاقتين بنفس الأرقام؟ أجاب الزوج نعم، كان يريد بشرائه للبطاقة الثانية أن يقول لزوجته بأنه ما زال يحبها بنفس الحماس القديم، حتى وإن بدى تصرفه ساذجًا أمام البائع في البقالة، أو أمام من سيحكي لهم البائع عن رجل اشترى بطاقتين بنفس الأرقام! مد يده بالبطاقة لزوجته، لكنها فضّلت أن يضعها على الطاولة، ربما أرادت ألّا تتلامس أيديهما، دليل أنها ما زالت غاضبة، وأن وقت التصالح لم يحن بعد، وضع البطاقة على الطاولة، دون أن يبلغها بوجود بطاقة ثانية.
في اليوم الذي يُجرى فيه الإعلان عن الأرقام الفائزة راجعت الزوجة الأرقام، وكانت أرقامها هي الفائزة، قفزت فرحًا، ربحت مليون دولار، وكانت سعادتها بصدق حدسها لا تقل عن فرحتها بالمليون دولار، قفز أمامها فرحًا، ثم راح يقفز في أرجاء البيت، ثم عاد وأخرج لها البطاقة الثانية قائلًا إنها بنفس الأرقام، أخذت البطاقة من يده مندهشة، تأكدت من الأرقام، قفزت مرة أخرى، كررت قفزاتها في صالون البيت، جلس ينظر لها بسعادة، كانت سعادتها منتهى السعادة له. وصل الأبناء واحتفلوا، شكروا أمهم على صلابة إصرارها على اختيارها نفس الأرقام طوال سنوات، قرروا أن يشتروا بيوتًا لأبنائهم، وأن يعلموا أحفادهم في أفضل المدارس، فقد كان المبلغ كافيًا. كانت سعادتهم كبيرة، وكان الزوج يخمن في عقله إن كانت ستعيد عليه يومًا أنه سيئ التصرف لا يحسن التدبير!