بإمكان الإنسان أن يكون جيدًا في عدة أمور، لكنه لن يكون بارعًا في أمر واحد، طالما أنه يمارسهم جميعهم في وقت واحد، مهر التميّز في التخصص، والتخصص يريد قناعة تامة وتركيزًا متواصلًا. ولو لاحظنا الشركات المتفوقة لوجدنا أنها متخصصة. أفضل شركات الساعات في العالم لا تصنع حقائب، وأفضل شركات الحقائب لا تصنع ساعات، وأفضل عطور العالم يبيعها المختصون في العطور فقط، فتميزوا بجودة عطورهم على أكبر الشركات العالمية التي تبيع منتجات متنوعة، مع أن هذه الشركات العالمية أكبر قدرة بالمال وقوة التوزيع.
كذلك في المجال الإعلامي لا تتميز قنوات البرامج المتنوعة بنشراتها الإخبارية بل في برامجها، والأمر نفسه تفعله القنوات الإخبارية المميزة عندما لا تتميز ببرامجها التي تخرج عن سياق الأخبار والتحليلات السياسية. في التخصص تتراكم التجارب وتتحول إلى خبرة، وفي الخبرة يظهر التفوق. في بداية العشرينات وبالصدفة مررت على مطعم متوسط الحجم، كان لا يبيع إلا نوعًا واحدًا من الطعام، بالإضافة إلى نوع واحد من أنواع الشوربة كان يقدمه بالمجان، كان المطعم شبه مزدحم، والزبائن منهمكون في تناول وجبتهم باهتمام. عندما سألت صاحب المطعم عن سبب وجود نوع واحد فقط، ولماذا لا يزيد فرصه في كسب زبائن جدد بإضافة أنواع جديدة، أجابني بأن يجيد تحضير هذا النوع من الطعام كما لا يجيد غيره بنفس المهارة، وأن عمل شيء واحد بصورة فائقة أفضل من عمل عدة أشياء بصورة جيدة أو متوسطة، وأن سبب إقبال الناس على وجبته الوحيدة هو بسبب تميزها لا بسبب ندرتها، فهي موجودة في أغلب المطاعم، أي أنه كسب فرصة واحدة كبيرة في النجاح وترك فرصًا أكثر لكنها أصغر. حينها لم أقتنع تمامًا بكلامه، وخرجت منه وأنا أظنه رجل لا يعرف قيمة التنوع، فالناس أذواق وعليه أن يراعي تنوع أذواقهم. الآن وبعد كل هذه المدة أدركت ما كان يعنيه جيدًا، وأنه كان يتخصص لكي يكون متميزًا، لا لكي يكون موجودًا فقط. عندما ظهر اليوتيوب بدأ الناس في إطلاق شغفهم وتجاربهم، واليوم وبعد كل هذه السنوات يظهر لنا أن الذين تخصصوا هم من نجحوا في السباق إذا صح التعبير، فأصحاب القنوات الذين تخصصوا بالسفر أصبحت مشاهداتهم مليونية، والمتخصصة بالرياضة كذلك، أكثر قنوات اليوتيوب المتخصصة حصلت على مشاهدين دائمين، لأنهم يقدمون بخبرة ودراية، بينما لم يحصل على التميز من لم يتخصص، لأن حلقاته لا تنافس حلقات المختصين. ربما يختصر جيم رون كل ما قلته أو أردت قولة بمقولة واحدة، ولا شك أن مقولته نتاج خبرة متخصص (النجاح هو القيام بالأعمال العادية بطريقة غير عادية).
كذلك في المجال الإعلامي لا تتميز قنوات البرامج المتنوعة بنشراتها الإخبارية بل في برامجها، والأمر نفسه تفعله القنوات الإخبارية المميزة عندما لا تتميز ببرامجها التي تخرج عن سياق الأخبار والتحليلات السياسية. في التخصص تتراكم التجارب وتتحول إلى خبرة، وفي الخبرة يظهر التفوق. في بداية العشرينات وبالصدفة مررت على مطعم متوسط الحجم، كان لا يبيع إلا نوعًا واحدًا من الطعام، بالإضافة إلى نوع واحد من أنواع الشوربة كان يقدمه بالمجان، كان المطعم شبه مزدحم، والزبائن منهمكون في تناول وجبتهم باهتمام. عندما سألت صاحب المطعم عن سبب وجود نوع واحد فقط، ولماذا لا يزيد فرصه في كسب زبائن جدد بإضافة أنواع جديدة، أجابني بأن يجيد تحضير هذا النوع من الطعام كما لا يجيد غيره بنفس المهارة، وأن عمل شيء واحد بصورة فائقة أفضل من عمل عدة أشياء بصورة جيدة أو متوسطة، وأن سبب إقبال الناس على وجبته الوحيدة هو بسبب تميزها لا بسبب ندرتها، فهي موجودة في أغلب المطاعم، أي أنه كسب فرصة واحدة كبيرة في النجاح وترك فرصًا أكثر لكنها أصغر. حينها لم أقتنع تمامًا بكلامه، وخرجت منه وأنا أظنه رجل لا يعرف قيمة التنوع، فالناس أذواق وعليه أن يراعي تنوع أذواقهم. الآن وبعد كل هذه المدة أدركت ما كان يعنيه جيدًا، وأنه كان يتخصص لكي يكون متميزًا، لا لكي يكون موجودًا فقط. عندما ظهر اليوتيوب بدأ الناس في إطلاق شغفهم وتجاربهم، واليوم وبعد كل هذه السنوات يظهر لنا أن الذين تخصصوا هم من نجحوا في السباق إذا صح التعبير، فأصحاب القنوات الذين تخصصوا بالسفر أصبحت مشاهداتهم مليونية، والمتخصصة بالرياضة كذلك، أكثر قنوات اليوتيوب المتخصصة حصلت على مشاهدين دائمين، لأنهم يقدمون بخبرة ودراية، بينما لم يحصل على التميز من لم يتخصص، لأن حلقاته لا تنافس حلقات المختصين. ربما يختصر جيم رون كل ما قلته أو أردت قولة بمقولة واحدة، ولا شك أن مقولته نتاج خبرة متخصص (النجاح هو القيام بالأعمال العادية بطريقة غير عادية).
