|


محمد المسحل
لا يمكن الاتصال به الآن..
2023-05-26
الجيل الحالي من أبنائنا وبناتنا، وصلوا لدرجة متقدمة جدًّا من العلم والمعرفة، جعلت كثيرًا منهم يعتقد “وهو في سنٍّ مبكرة”، أنه فوق مستوى تقبُّل النصيحة من الجميع، حتى من أمه وأبيه! وبالتأكيد هناك تيَّارات ثقافية، تعمل بكثافة على التقليل من أهمية آراء الوالدين، ورغباتهما، ونصائحهما! حتى يأتي اليوم الذي يتفاجؤون فيه بخبر صاعق بوفاة أحدهما، أو كليهما، وعندها لا ينفع ندمٌ ولا دموعٌ.
الإنسان في سنواته الأولى، يكون مثل الذي ينظر للحياة من الطابق الثاني، أو الثالث في برج مكوَّن من 100 طابق، فتجده كلما ارتفع طابقًا أعلى، اعتقد أنه أشرفَ على كل شيء، وعرف كل شيء، وأنه لم يعد في حاجة إلى نصح أحدٍ! بالتالي، يكمن الفارق في نجاح أي منهم في درجة يقينه وإدراكه بأن مَن سبقه في هذه الحياة، يعرف أكثر منه، حتى لو لم يكن مع ذلك الذي سبقه شهادة الابتدائية، وحتى لو لم يكن يفقه بأمور التكنولوجيا والأخبار العالمية كما يفقه، فصروف الدهر وشؤون الحياة تتكرَّر، وهي نفسها بمرور الأجيال، بغض النظر عن التقدم الحضاري والتكنولوجي والعلمي فيها، فالإنسان هو الإنسان نفسه مهما تغيَّرت الأزمنة.
لذلك، ترتبط نسبة النجاح والتوفيق بشكل كبير بنسبة الحرص على الإنصات لنصائح الوالدين والأقربين والأصدقاء الأوفياء، الذين يحرصون على نصحنا بأمور ديننا ودنيانا، بكل قبول ورحابة صدر وتفهّم بأنهم ينصحوننا لما فيه نفعنا، ولما يعرفونه عن هذه الحياة من أمور وتجارب، مرّوا بها، ونحن لم نمر بها بعد. والعكس صحيح، إذ ترتبط نسبة الفشل وعدم التوفيق بمدى الإعراض والتأفُّف والتذمر من نصحهم وإصرارهم على تذكيرنا بواجباتنا الدينية والدنيوية، ويحثهم على ذلك بعض التيارات التي تدَّعي التقدُّم والتحرُّر، وهي نفسها التي كانت تضل الناس منذ القدم، وستستمر هكذا ما استمرت الحياة، حربٌ متواصلة بين الخير والشر.
إن كان لك أمٌّ أو أبٌ، يحرص على مصلحتك، ويسدي لك النصيحة تلو الأخرى، فأنت من النسبة المحظوظة جدًّا من شباب هذا العالم، إذ إن الكثيرين يتمنون وجود والدين صالحين ناصحين، وآخرون يتمنون وجودهما على قيد الحياة، حيث يباركان لهم بإذن الله جميع خطوات حياتهم، فلا تغرَّنك الحياة الدنيا، فتنسيك أهمية وجودهما في حياتك، فالوصول إليهما ممكن اليوم، لكن إن أتى أمر الله، وكان الجواب على اتصالك بأي منهما هو: “إن الرقم المطلوب لا يمكن الاتصال به الآن”، وقتها لن تنفعك الدموع مهما انهمرت.