|


أحمد الحامد⁩
زلاتان إبراهيموفيتش
2023-06-11
هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها دموع زلاتان إبراهيموفيتش، ومع أنه يبكي في الحزن والفرح مثل البقية، لكنني اعتقدت أن بكاءه من رابع المستحيلات، خاصةً أمام الكاميرات، ليس لأنه غير عاطفي، بل لأنه بدا دائمًا قويًّا، وأبعد ما يكون عن حالة الدموع! بدا طوال 20 عامًا لاعبًا حديديًّا، لا تهزمه حتى نتيجة المباراة التي يخسرها، لكنه عندما ودَّع الجماهير بكى، فلا أبلغ من الدموع في اللحظة التي تتعثر فيها الكلمات.
لم يكن إبراهيموفيتش مجرد لاعب موهوب، فالموهوبون كثرٌ، لكن شخصيته شكَّلت إضافةً واضحةً لعالم كرة القدم. كان يلعب دائمًا مباراتين، الأولى على أرض الملعب، مدتها زمن المباراة، والثانية مستمرةٌ لا تتوقف، واسمها لعبة الكلام، ولم يكن فيها أقلَّ من موهبته الكروية، إذ كان ينتصر أكثر من انتصاراته على أرضية الملعب حتى عُرف عنه بأنه اللاعب الذي لا تستطيع هزيمته مرتين، فإن هزمته في المباراة، فسيهزمك بتعليقاته.
كانت طرافته تُظهر ذكاءه، وقوة ردوده تسلِّط الضوء على سرعة بديهته. في إحدى المرَّات، استضافه تيري هنري في لقاء تلفزيوني، حينها مرَّ مبابي ماشيًا، وألقى كلمات “ممازحة”، قاطع بها استرسال إبراهيموفيتش، فقال له إبرا: “تعال، اقترب، واجلس إذا كان يهمك أن تتكلم مع الأساطير”. وفي موقف آخر، امتعض من طريقة توظيف بيب جوارديولا له، وتحمَّل الوضع قليلًا، لكنه لم يستطع الصمت أكثر، فقال له: “إنني سيارة فيراري، وتقودني وكأنني فيات!”.
كان الصحفيون يحبُّون الحديث معه، لأنهم يعرفون أن كلامًا غير اعتيادي، سينطلق من فمه، وذات مرَّة أرادوا معرفة الهدية التي أحضرها لزوجته في عيد ميلادها، فأجابهم إبراهيموفيتش: “لا شيء... لديها إبراهيموفيتش”. كانت مزحةً، لكن بعضهم ممَّن لا يحبونه، قالوا: إن ردَّه دليل غروره. هكذا يتصيَّد الكارهون أي فرصة لتحوير الكلام وإخراجه عن مقصده.
وعندما غادر إلى لوس أنجليس، اشترى الصفحة الأخيرة من صحيفة مهمة، وكتب فيها هذه الكلمات: “عزيزتي لوس أنجليس أهلًا بك في زلاتان إبراهيموفيتش”. ولم يعجب هذا الإعلان بعض نجوم المدينة، فأرسل ليبرون جيمس، لاعب كرة السلة الشهير، قميصه مع توقيعه إلى إبراهيموفيتش، فأعاده إبرا مع توقيعه إلى ليبرون مع العبارة التالية: “الآن أصبحت قيمة القميص أعلى بكثير”.
من المؤكد أن الجماهير كانت تتقبَّل من إبراهيموفيتش ما لا تتقبَّله من معظم اللاعبين، لأنه لاعبٌ كبيرٌ، ولأن ردوده ذكية وشجاعة، وقد ودَّع إبرا الملاعب، لكنه سيبقى في ذاكرة الجماهير لاعبًا له حضوره الخاص، وستبقى أهدافه في عقد أجمل الأهداف زمنًا طويلًا. بالمناسبة، إبراهيموفيتش أصدر قبل سنوات كتابًا عن حياته الشخصية والرياضية، وفي إحدى صفحاته يحكي عن مباراة في طفولته، يومها تأخر فريقه بأربعة أهداف في الشوط الأول، فأشركه المدرب مع بداية الشوط الثاني، فسجل ثمانية أهداف، وانتهت المباراة بفوز إبراهيموفيتش وفريقه. هكذا تعلن المواهب الصغيرة عن مستقبلها الكبير.