|


أحمد الحامد⁩
طمع في ثوب رأي!
2023-08-16
فرقة غنائية كانت من الفرق المعروفة على صعيد إحدى الولايات الأمريكية، كانت مواضيع أغانيها ما بين العاطفية والاجتماعية، لكن الأغنية التي صنعت لهم تأثيرًا هي الأغنية التي وصفوا فيها قساوة سلسلة مطاعم لسوء معاملتهم وقتلهم للدجاج.
طار النباتيون بالأغنية وصاروا ينشروها واصفين أعضاء الفرقة بالشجعان وبأصحاب المبادئ. وضعت الأغنية سلسلة المطاعم في موقف كثر فيه الهرج والمرج، وكانوا لا بد أن يردوا على أعضاء الفرقة بطريقة صحيحة ومقنعة، خصوصًا وأنها اكتسبت رمزية على أنها فرقة ذات قيم إنسانية رفيعة، والظاهر أن أحد الموظفين في سلسلة المطاعم كان قد فهم جيدًا أن أفراد الفرقة إما حاسدين أو طامعين، ومسألة الدفاع عن حقوق الدجاج نابعة من أطماع بدت على شكل دفاع عن حق. وبدلًا من أن يكذبهم فيكذبوه، ويدخل معهم في نقاشات ومشاحنات تبرزهم أكثر وتضر في سمعة سلسلة المطاعم، قدَّم لهم ما يبحثون عنه، كانت رزم المال كفيلة بأن يظهروا في إعلانات تلفزيونية مباشرة لوجبات المطعم، وبدوا سعداء بالطعم الذي وصفوه باللذيذ للغاية، بل إنهم دخلوا مسابقة لتحطيم الرقم القياسي في أكل دجاج سلسلة المطاعم.
عالمنا مليء بالأصوات الغاضبة بصخب، تتحدث بعبارات ضخمة وكلمات حماسية، لكن من هذه الأصوات أصوات طامعة، وتصمت بمجرد أن تنال ما كانت تريده في أعماقها ولا تقوله في ظاهرها. وأتذكر حكاية قالها لي أحد الأصدقاء عن الطمع المتخفي في بعض النفوس. يقول بأن خلافًا عائليًا وقع بيني وبين أقاربي على ميراث تركه جدنا، وكان أحد الأقارب الذي لا علاقة له بالميراث يقف مدافعًا عن رأي الطرف الثاني دون وجه حق، ويتحدث أحاديث بعيدة عن الحقيقة، فبدا الخلاف أكبر من حجمه مع أبناء عمومتي الذين أُكن لهم مشاعر الحب وواجبات الأخوة. يقول الصديق: لم أرد منه أن يكون منصفًا، كل ما أردته أن يلتزم الصمت حتى تأخذ الأمور مجراها نحو القضاء الذي كان هو الحل الأنسب للجميع، يضيف: دعوت هذا القريب إلى وليمة عشاء، وكان لا يعلم بأني أعلم بما كان يردده. بعد تناوله للعشاء قلت له بأنني مقصر في حقه، فهو بمثابة عم عزيز له الحق في أن يطمئن أبناؤه عليه وأنني واحد من أبنائه، لكنني ابن مقصر وأتمنى يسامحني على غفلتي، ثم أعطيته مبلغًا من المال لم يتردد في قبوله. ما الذي حدث بعد أيام؟ اضطررت أن أذهب لهذا القريب وأرجوه أن يلتزم الصمت لأنه صار يقول في أقاربي غير الحقيقة وما لا أرضاه عليهم ولا على غيرهم. على هذه الشاكلة تتردد الكثير من الآراء، يختلقون المشاكل ليوجدوا لهم موطئ قدم، ثم ينطلقون منه تحت شعارات وعبارات رنانة، والحقيقة أنهم باحثون عن أطماعهم الشخصية، وبمجرد حصولهم عليها تخفت أصواتهم وتندثر، وأنا هنا لا أعمم، لكن التاريخ القديم والحديث يقول بأنهم ليسوا قلة.
عن التأجيل وتبديد العمر والصراع مع الطبع كتب لويس بورخيس: لم يكذب عليّ أحد مثلما كذبت أنا على نفسي، منذ أن عرفتني وأنا أخبرني بأنني سأتغير عندما أستيقظ، استيقظت كثيرًا ولم أتغير أبدًا.