أحمد الحامد⁩
اللقاء الأخير
2023-09-07
بعد مضي ساعتين من اللقاء الذي جاء بعد فراق دام حوالي 10 سنوات قال: أنت تغيرت، أنت لست الشخص الذي أعرفه! لم تعد ذلك الحالم الذي أحببت أحلامه، ولا المندفع الشجاع الذي لا يأبه لما يعترضه! ما بك؟ ما هذا الهدوء؟ أين ضحكاتك التي كنت تملأ فيها المكان؟ أين تعليقاتك الطريفة؟ أين أفكارك المجنونة؟.
كان ممتعضًا ويشعر بالإحباط، وفقدت عيناه بريقها الذي شاهدته في لحظات اللقاء الأولى. أجبته بأني تغيرت فعلًا، لقد اضطررت أن أتغير مع الزمن، تخليت عن الكثير من الأحلام غير الواقعية، وتركت الأفكار التي بنيتها على غير فهم أو علم، لقد جاريت الزمن حتى لا أكون خارجه، لم أترك تعليقاتي ولا ضحكاتي لكنهما تضاءلتا مع الزمن، أخذت الجديّة حيزًا من مكانهما، لا يمكن أن نعيش بجوار الواقع، لا بد أن نكون بداخله. كان هذا هو لقاءنا الأخير قبل ثلاث سنوات، كل مضى في حاله، لا نعرف أخبار بعضنا إلا عندما تحين المناسبات التي نتبادل فيها الاتصال أو الرسائل.
لكن كلامه بقي في عقلي إلى اليوم، أتذكره كلما مرت في ذاكرتي صور لقائنا الأخير. لم يحزنني ما قاله بل على العكس، فلا بد للإنسان أن يتغير مع الزمن، لا يمكن أن يبقى ثابتًا بينما كل شيء من حوله يتحرك للأمام، التفكير يتغير عندما ينضج العقل وتزيده التجارب خبرة، الذوق يتغير مع كثرة الاطلاع والمعرفة، حتى الأشياء من حولنا تتغير باستمرار، لقد تغير جهاز التلفزيون الذي كنا نعرفه في طفولتنا، تحول شكله عدة تحولات، كان كبيرًا يشبه الصندوق، لكنه اليوم أقرب إلى ورقة ملصقة على الحائط، وتغير الهاتف من جهاز كبير مرتبط بسلك في الجدار إلى شاشة صغيرة تحملها في جيبك، تغيرت طرق التعليم وطرق لعب كرة القدم وطرق التسوّق، تغيرت الصحافة وتغير أسلوب الكتابة، حتى حقائب السفر بكل رومنسيتها والأشعار التي قيلت فيها تغيرت، لقد عرض علي بائع المحل حقيبة قال إنها إلكترونية، قال إنها لا تُفقد لأنها مرتبطة بجهاز يحدد موقعها، كما أنها لا تحمّلك ألم حملها لأنها تتبعك أينما اتجهت!.
لقد تغير العالم تغييرات لا تحصى، ويحزنني من يقول إنه ثابت لا يتغير، لا تتغير أفكاره ولا قناعاته، ولا أرى في هذا الثبات إلا جمود وتهالك. كل شيء قابل للتغير، الثوابت التي يجب ألّا تتغير هي أخلاق الإنسان الحميدة وصدقه وأمانته.