|


أحمد الحامد⁩
قارئة الفنجان
2023-12-10
نجاح روايات أجاثا كريستي مرتبط بالغموض الذي تحتفظ به إلى الصفحة الأخيرة، يواصل القارئ القراءة ليصل للجائزة: كشف الغموض. وأجاثا أبدعت في الاحتفاظ بقرائها إلى الصفحة الأخيرة مدركة أن الإنسان لديه رغبة دائمة في كشف ما هو غامض، وأن الكثير من البشر لديهم ثقة في أنفسهم - مبالغ فيها - في صحة تخميناتهم وتوقعاتهم، أو معرفة نتائجها على الأقل، والتي غالبًا لا تنجح مع روايات أجاثا وهذا سر عبقريتها.
تقول إحدى الزميلات بأنها تعلمت من روايات أجاثا ما هو أكبر من متعة القراءة والألغاز: لقد تعلمت أن تخميناتنا الخاطئة في معرفة المجرم في روايات أجاثا، تشبه الكثير من ظنونا في الحياة حينما نكتشف لاحقًا بأنها كانت خاطئة، لذا أصبحت أتمهل كثيرًا عند إطلاق الأحكام.
قبل أكثر من 30 عامًا وكنت في مطلع الشباب، قال لي أحد الأصدقاء بأن عرَّافة قرأت له طالعه، وكشفت له ما أثار اهتمامه. تفاجأت من كلام الصديق فلم أتوقعه من النوع الذي يلجأ للعرافات، لأنه حسب مشاهداتي - صايم ومصلي - فكيف يلجأ للكذابين ولو صدقوا؟ بعد ذلك الحديث بدأت رغبة في داخلي بالنمو لزيارة العرَّافة، لم يكن عندي سبب محدد، أو أمر أردت معرفة مستقبله، كانت رغبة في معرفة شيء عن غموض المستقبل. أظن أن الرغبة في كشف غموض المستقبل هي التي أبقت على سوق العرافين والعرافات وقارئات الفناجين، وهي التي جعلتهم يظهرون على شاشات التلفزيون كضيوف يحققون مشاهدات مليونية، رغم أنهم لا يملكون شيئًا حقيقيًا. في الأيام الماضية شاهدت العديد من الفيديوهات التي تتحدث عن محل في لندن يبيع عطرًا واحدًا، محل كامل لا يبيع إلا هذا العطر، وحسب ما قيل بأن الذي ركّب مكونات العطر توفي قبل إطلاق العطر تجاريًا. الفيديوهات تظهر أن الكثير من الناس زاروا المحل لمعرفة رائحة العطر الوحيد، مع أن الذي يريد أن يشتري عطرًا فغالبًا يذهب إلى متجر يوفر العديد من الروائح والخيارات. لكن الذين ذهبوا للمحل الذي لا يبيع إلا عطرًا واحدًا كان يشدهم الغموض والرغبة والفضول. كانت حكاية (العطر الوحيد) دعاية كبرى استغلت الرغبة الإنسانية. قد يلفت الغموض انتباه الناس ويشدهم ويثير اهتمامهم، قد ينجح في الروايات والأفلام وقراءة الطالع، لكنه لا ينجح في العلاقات الإنسانية المباشرة، بل يبدو مخيفًا أحيانًا، فالعلاقات الإنسانية تنمو على الوضوح والتلقائية، وأتذكر أن أحد الأصدقاء قال بأن خطيبته تركته بعد عدة أشهر، وعندما سألها عن السبب أجابت: أنت غامض!