|


أحمد الحامد⁩
معجزة التدريب
2023-12-20
يقال إذا كررت فعل شيء كل يوم فستتقنه، شرط أن يكون ما تفعله بانتباه وتركيز، لأن الكثير مما نكرره قد لا نتقنه، لأننا لا نفعله بالصورة الجيدة. يفعل التدريب المستمر ما لا تفعله الموهبة، لأن الموهبة تضعف، بينما المستمر على التدريب يشكل موهبته ويصنعها. أحب أحد الزملاء أن يكون ممن يقرؤون مواجيز الأخبار، وكان صوته خشنًا وأبعد مما تتخيله أن يقرأ شيئًا إذاعيًا.
وأذكر أنه كان يغلق باب استوديو التسجيل على نفسه ويتدرب، يُسمع زملاءه في قسم الأخبار ما قرأه ويأخذ ملاحظاتهم، كان يتدرب ما لا يقل عن ساعتين يوميًا، بالإضافة إلى ما كان يتدربه في بيته. النتيجة كانت مفاجأة ومبهرة، لقد أثبت الزميل لنا أن الصوت مثله مثل اللياقة والعضلات وأيدي وأرجل الجسد، جميعهم يقوي أداءهم بصورة كبيرة إذا ما تم تدريبهم بشكل مستمر. صار الزميل حينها واحدًا ممن يقرؤون مواجيز الأخبار. ما فاجأني أن بعض الأشياء نستطيع تعلمها مثل الرسم، كنت أعتقد أن تعلمه مستحيل وأنه يأتي كموهبة مع الإنسان فقط، ثم تفاجئت أكثر أن النحت يمكن تعلمه. العم ممدوح ممن لم أصدق أنهم تعلموا موهبتهم، كان طباخًا ماهرًا وكنت أعتقد أنه موهوب بالفطرة، كان يعمل في مطعم عربي في لندن. في ليلة شتائية وكان المطعم قد أغلق أبوابه، جلس العم ممدوح ليستريح، شكرته على الطعام اللذيذ الذي أعده وقلت له إنه من أفضل الذين يعملون الأرز، كما أن المشاوي تبدو دائمًا طرية دون أن تجف. أجابني العم ممدوح بما جعله يكبر في عيني كثيرًا: أنا دائمًا أشكر الله ثم أشكر من علمني هذه الصنعة بأفضل صورة. كنت شابًا تجاوز الثلاثين بقليل دون شهادة أو صنعة، وفي أحد الأيام وأنا أبحث عن عمل دخلت على مطعم وسألتهم إن كان هناك أية فرصة عمل. كنت حينها سأقبل بأي أجر. أدخلوني المطبخ كمساعد ومنظف، كنت مطيعًا للجميع. أنفذ كل ما يطلب مني، وصار الطبّاخ يعتمد علي في التسوق لشراء ما نحتاجه. بعد ثلاثة أشهر قال لي الطباخ بإنه سيعلمني ما سينفعني في حياتي، ثم استمر في تدريبي بكل إخلاص، وبادلت إخلاصه بالاجتهاد، لقد كنت أكرر ما يعلمني إيّاه مرات ومرات حتى وأنا في بيتي. أصبحت بعد سنتين الطباخ الثاني في المطعم، وما زلت لا أغير فيما علمني، وما زلت أتلقى الإطراء على ما علمني إياه. التدريب يفتح أبوابًا لنا كنا نعتقد بأننا لن نستطيع المرور من خلالها. لكن التدريب لديه شرط واحد لفتح الباب، أن نخلص إخلاصًا كاملًا، أن نعطي ما نريد تعلمه حقه الكامل.
إبراهيم الفقي: تضعك المعرفة في صفوف الحكماء، ويضعك العمل في صفوف الناجحين، ويضعك التفاهم في صفوف السعداء.