|


أحمد الحامد⁩
كلام ويك إند
2024-02-23
ـ تظن أنك نسيت، ثم تكتشف فجأة أن ذاكرتك أقوى مما اعتقدت، نسيت الكثير من مرحلة الدراسة المتوسطة، مضى عليها زمن طويل مما لا ألوم الذاكرة على نسيانه، ما تبقى مشاهد قصيرة جدًا، وملامح من وجوه، صور المباني، وصوت الجرس، ثم ومن دون مقدمات ومن جملة واحدة تسمعها تنهمر عليك الذكريات دون تمهيد أو مقدمات.
قبل أيام سمعت أحد مقدمي البرامج يقول: وتعتبر أغنية «رحلتي» لعبد الله الرويشد من كلاسيكيات الأغنية الخليجية، وجدت نفسي أقول محتجًا: كلاسيكيات ؟! لقد تحدث مقدم البرنامج عن أغنية تخصني، أعرفها كما أعرف أصدقائي، اشتريت الألبوم من محل التسجيلات القريب، بعد أن جمعت ثمنه خلال أيام.
عن أي كلاسيكية يتحدث مقدم البرنامج ؟ ثم بدأت عد الأعوام، واصطحبتني الذاكرة للماضي، ثم بدأت تدخل بالتفاصيل، مسجل «الووك مان» وألبوم عبد الله الرويشد، مشاركة طلاب الفصل المقربين للاستماع للأغنية بين الدروس، كان ذلك عام 1983! كم ؟ 1983!. صار عمر الأغنية 41 عامًا، رقم أدخلني في دقائق صمت، قبلت بعدها دون إرادة مني بأن تكون الأغنية من الكلاسيكيات. أبهذه السرعة أصبح كل ما في طفولتنا كلاسيكيًا؟
ـ مهما بلغت قوة الإنسان إلا أنه يحتاج إلى استراحة، نسميها استراحة محارب، واستراحات المحارب تكون على عدة أشكال، منها أخذ إجازة والسفر، منها «كشتة» مع من تحب، ومنها «فضفضة» أمام صديق عزيز. اخترت الصديق العزيز واتصلت به، كنت بحاجة للتحدث، وأن نجلس سويًا ونستمتع بوقتنا، مجرد الاستمتاع بالوقت هو فضفضة بشكل آخر.
ما إن صعد الصديق العزيز سيارتي حتى قال: شكرًا لأنك اتصلت وأتيت لتأخذني، لقد كنت على وشك الانفجار، ثم راح يشرح الضغوطات التي يواجهها من زوجته، وكيف أنها «جننته» وحولت حياته الفنية قبل الزواج إلى حياة صعبة، فزوجته كما وصفها منظمة المواعيد، دقيقة في نظافة البيت بشكل لا يطاق، تحرص على العلاقات العائلية التي لا أتحملها.
ثم راح الصديق العزيز يتحدث عن الفوارق الفكرية بينهما، وكيف أنها لا تصل إلى عمق أفكاره وأبعاده. مضت نحو نصف ساعة لم يتوقف فيها عن الكلام، ثم التفت نحوي متسائلًا: ما جعت ؟ أجبته بنعم، تناولنا العشاء في مكان هادئ تحيطه البرودة المنعشة من كل مكان، ثم سألته: عدد لي صفاتها الجيدة وأجب بأمانة؟ راح يعدد صفاتها الجيدة، ثم راح يكيل المديح لها لأنه يتحدث بأمانة كما طلبت منه، وكيف أنها نظمت حياته وجعلته يعمل بمهنية ومسؤولية، وكيف لازمته في المستشفى، وعن مفاجآتها له بالهدايا بمناسبة وبدون مناسبة أحيانًا، وعن رسائلها القصيرة التي تدسها في جيب ثوبه قبل ذهابه للعمل. صمت وقتًا يتفكر فيه ثم قال: الظاهر أنا الغلطان. أوصلته إلى بيته والحيوية تملؤه، كنت أريد أن «أفضفض» له «ففضفض» لي. لا مشكلة، المهم أن أحدنا استطاع أن يفضفض.