|


أحمد الحامد⁩
طاقية الإخفاء!
2024-04-09
يتشارك مئات الملايين في أمنية امتلاك طاقية الإخفاء. تمنَّيتها في طفولتي عندما جاء الفريق الذي أشجعه، ليلعب في المدينة التي أعيش فيها. ذهبت إلى الملعب، ولم يكن عندي ما أدفعه ثمنًا لتذكرة الدخول، فوقفت خارج الأسوار، أستمع إلى أهازيج وصيحات الجمهور. كان الصوت الأقوى يعني تسجيل هدفٍ، أما الصوت الذي ينتهي بـ «ياااه»، فيعني أنها فرصةٌ خطيرةٌ ضائعةٌ. حينها تمنَّيت لو كانت عندي طاقية الإخفاء للتسلل إلى داخل الملعب، وبعد مرور نصف ساعةٍ، نظر نحوي الرجل الواقف عند بوابة الدخول، وأشار بيده، طالبًا أن أقترب، وما إن اقتربت حتى ابتسم، وقال: «ادخل».
في المدرسة أيضًا تمنَّيت طاقية الإخفاء مرَّات عدة، خاصةً في تلك اللحظات التي يبدأ فيها المعلم بضرب التلاميذ قبلي، بينما أنتظر وصول دوري! لكنَّ الطاقية لم تحضر، وكنت كل مرةً أنفخ في يديَّ محاولًا طرد الحرارة منهما، من شدة الضرب.
ربما الملايين تمنُّوا في لحظةٍ معينةٍ، أو موقفٍ ما لو كانت عندهم طاقية الإخفاء، لكننا جميعًا نعلم أنها أمنيةٌ، تبدأ طفوليةً، ثم تتلاشى مع الاحتكاك بالواقع.
في عالمنا تبدأ الأمنيات خياليةً، لكنها بمرور الزمن، أي بعد عشرات أو مئات أو آلاف السنين، تصبح حقيقةً، ومن المؤكد أن أحدًا قبل ألف عام كان يتمنى لو أن لديه شيئًا، يمكِّنه من التحدث مع آخر على بُعد مئات، أو آلاف الكيلو مترات. تحققت الأمنية في زمننا على يد ألكسندر جراهام بيل، ثم تطور الأمر، وأصبح الاتصال بالصوت والصورة. ولا أتخيَّل أن سكان الأزمنة الماضية لم يتخيَّلوا شيئًا، ينقلهم من بلدٍ إلى بلد آخر خلال ساعاتٍ قليلةٍ، وهو ما فعله الأخوان رايت، وجعلا من هذه الأمنية الخيالية حقيقةً. لكن ماذا عن طاقية الإخفاء، هل ستبقى بعيدة المنال؟ الإجابة فيما قرأته عن تمكُّن علماء بريطانيين من صناعتها، وطرحها قريبًا في الأسواق.
يقول التقرير، الذي نشرته «ديلي ميل» البريطانية: إن العلماء ابتكروا درعًا، يحجب الرؤية، ويجعل مَن يرتديه لا يُرى! ويبلغ سعر الدرع أقل من ألف دولار في الطرح الأول، وهذا يعني أن سعره سينخفض كثيرًا، وسيصبح في متناول الجميع، وبعد أن يُصنع منه عديدٌ من الأشكال والمقاسات. تأمَّلت في الابتكار الجديد، وانتبهت لتسارع التطور في زمننا، وكيف أني عشت في زمنٍ، تحوَّلت فيه أمنية طاقية الإخفاء الخيالية إلى حقيقةٍ. بصراحة أخافني الأمر، فلا تبدو فكرة العيش بين بشرٍ غير مرئيين مريحةً، لكنها قد تنفع، فربما تحتاجها إذا صادفت شخصًا لا تريد لقاءه، وربما تنفع الذين يتهربون من سداد الدين الذي عليهم، ولا شك أنها تنفع «الحرامية» أيضًا. لا أتصور أن الشركات التجارية ستنتظر طويلًا قبل أن تصنع نظاراتٍ تكشف المتخفين. بالمناسبة.. هل تعتقد أنك ستستخدم طاقية الإخفاء؟