|


أحمد الحامد⁩
البدر الذي لا يغيب
2024-05-05
عندما وصلني خبر وفاة والدي انحبس الكلام في أعماقي، كان المجرى في داخلي صغيرًا، وكان الكلام كثيرًا، كان الكلام يحفر مجراه، ليشكل سيلًا لم ينقطع إلى هذه اللحظة، كان علي أن أواجه حقائق لم أفكر يومًا في مواجهتها، ولم أستعد لها، ربما لأني كنت أهرب من حقيقة أنها ستحدث يومًا لا محالة. واجهت حقيقة أن والدي لم يعد على قيد الحياة، وأني لن أستطيع رؤيته والتحدث معه، لن أسمع حكاياته الممتعة وضحكاته، لن أشاهد ابتسامته التي كان يرسمها لي، كان يشعرني بأن الأحوال في أحسن حال، وإن لم تكن كذلك. كان علي أن أتعايش مع الواقع الجديد بأنه لن يتصل بي إذا ما انقطعت عنه أيامًا، وأني سأشاهد رقم هاتفه ضمن قائمة الأرقام دون أن أتمكن من الاتصال به. كانت هذه الحقائق ضمن سيل الكلام، الذي راح يتوسع مجراه مع الوقت، ورحت أضيف إليه من دموعي بعيدًا عن أعين الناس. عندما قرأت خبر رحيل الأمير بدر بن عبد المحسن، انحبس الكلام في أعماقي من جديد، لكنني هذه المرة صاحب تجربة، مدركًا أن الكلام يجتمع ليوسع مجراه، ليشكل سيلًا لا ينقطع، وأني سأواجه عدة حقائق لم أفكر يومًا في مواجهتها، لم أستعد لها لأني كنت أهرب من حقيقة أنها ستحدث يومًا لا محالة، اليوم عليّ أن أواجه حقيقة رحيل البدر كواقع، أن أصدقها وأن أتعايش معها، أن أقول رحمه الله بعد كل مرة أذكر فيها اسمه. ينحبس الكلام في داخلي، ولا أعرف كيف أكتب عن البدر في مقال لا تتجاوز كلماته 400 كلمة، ولست الكاتب المحترف، الذي لديه القدرة على التعبير عما في داخله في مثل هذا الموقف وهذه المشاعر، ليست لدي القدرة الآن للتعبير عن فقدان شيء مني، لرمز اعتقدت أنه مثل شعره لا يموت، لكنني أعلم أني قادر على التعبير مع الوقت، مع مجرى السيل الذي سيبدأ بفتح مجراه، ولن يتوقف عن الجريان. أدرك أن مثلي لا يلام على خرسه العميق، حتى وإن كنتُ كاتبًا، لأن البدر لم يكن في حياتنا محطة، بل الرحلة كلها.
سنكتب عن البدر مثلما نكتب عن المتنبي، سنكتب المقالات ونؤلف عنه الكتب، سنردد أبيات الحب والحكمة، وستفعل الأجيال القادمة الشيء نفسه، نحن نعلم أن وجود البدر في زمننا هذا كان وجودًا تاريخيًا، لأن التاريخ سيؤرشف عصرنا الشعري بعصر البدر، ولا شك أنه عصر يصعب تكراره أو منافسته.