مازلت مواصلًا تنفيذ عهدي في الاهتمام برؤية أصدقائي القدماء، عهد قطعته أثناء أزمة كورونا، بعد أن عاتبت نفسي على انقطاعي عنهم قبل كورونا، لذا قررت إذا ما زالت الجائحة بسلام، ألا يمر أسبوع أو أسبوعان، إلاّ وألتقي بواحد منهم. في الأسبوع الماضي حددت موعدًا مع صديق عرفته في بدايات الشباب، والمكان إذا جمعك مع أشخاص فإما يعرفّك على صديق عمر، أو بمن يجعلك تندم بقية العمر، إلا الذين لديهم قراءات مبكرة للأشخاص، هؤلاء لا يهمهم المكان والزمان الذي يجمعهم بالأشخاص، مهارتهم الذهبية تشكل حاجزًا مانعًا من التقارب مع الشخصيات التي يكمن سوؤها في أعماقها.
كان صديقي هذا حارًا، وأقصد أن دمه يفور بسرعة، يغضب من أشياء عادية، أو صرنا نعتبرها عادية، مثل عدم التزام أحدهم بالموعد، أو عدم الشعور بالمسؤولية. كان يتعامل مع الكلام بحذافيره، إذا عاد للخياط لاستلام ثيابه حسب الموعد ولم يجدها جاهزة كان يغضب بشدة ويرتفع ضغط دمه، كان يوبخ من لا يلتزمون بالمواعيد، يقول لهم بأنهم لا يخجلون، ولو كانوا يخجلون لاتصلوا على الأقل ليعتذروا ويشرحوا الأسباب، بدلًا من جعله يقطع المسافات حسب الموعد.
في إحدى المرات كنا في مطعم عربي في لندن، سأل صديقي الجرسون: كم دقيقة يتطلب تحضير هذه الوجبة ؟ أجاب الجرسون: ربع ساعة. وافق صديقي وطلب الوجبة ورحنا نتحدث في شؤوننا، تأخر الطعام الذي طلبناه كثيرًا، وعندما وصل التأخير ما يقرب نصف ساعة، قام صديقي وتوجه غاضبًا إلى مدير المطعم قائلًا: أنصحك بإقفال المطعم لأنه يكشف كذبكم وخداعكم ! كان الصديق من أساطير الإلتزام بالمواعيد والوفاء بالوعود، لكنه كان كثير التذمر والشكوى من الناس، كنا نحن الشلة نردد جملته التي اشتهر بترديدها: ناس ما تستحي! جاء لقائي به الأسبوع الماضي بعد انقطاع دام مدة طويلة، لكنني هذه المرة وجدته مختلفًا، كثير المزاح والضحك، لم ألحظ فيه أي توتر، لم تفارق ابتسامته شفتيه، قلت له إنني سعيد برؤيته وسعيد أكثر بحيويته. ولأنه ذكي كعادته، التقط المعنى الذي أقصده. قال بأنه فكر في أمر عصبيته وتذمره المتكرر من تصرفات الناس، وتوصل إلى نظرية جعلته يصبح رجلًا هادئًا، أسمى نظريته «النسخة الاحتياطية»، بمعنى أنه إذا ما اتفق مع أحد على أمر ما ينسخ تصورًا احتياطيًا عن عدم التزام الطرف الآخر بالاتفاق، فلا يتفاجأ من عدم الالتزام فيما لو حصل، وإذا ما قرر تناول الطعام في المطعم فإنه ينسخ تصورًا عن سوء الخدمة التي قد يلاقيها فلا يتفاجأ من سوء الخدمة إذا ما حصلت، أصبح يتعامل مع كل الأمور بنسخة احتياطية تجنبه الغضب والتذمر. منذ لقاء صديقي وأنا أدرب نفسي على النسخة الاحتياطية.
لاو تزو: محبة الآخرين لك تمنحك القوة، بينما محبتك لهم تمنحك الشجاعة.
كان صديقي هذا حارًا، وأقصد أن دمه يفور بسرعة، يغضب من أشياء عادية، أو صرنا نعتبرها عادية، مثل عدم التزام أحدهم بالموعد، أو عدم الشعور بالمسؤولية. كان يتعامل مع الكلام بحذافيره، إذا عاد للخياط لاستلام ثيابه حسب الموعد ولم يجدها جاهزة كان يغضب بشدة ويرتفع ضغط دمه، كان يوبخ من لا يلتزمون بالمواعيد، يقول لهم بأنهم لا يخجلون، ولو كانوا يخجلون لاتصلوا على الأقل ليعتذروا ويشرحوا الأسباب، بدلًا من جعله يقطع المسافات حسب الموعد.
في إحدى المرات كنا في مطعم عربي في لندن، سأل صديقي الجرسون: كم دقيقة يتطلب تحضير هذه الوجبة ؟ أجاب الجرسون: ربع ساعة. وافق صديقي وطلب الوجبة ورحنا نتحدث في شؤوننا، تأخر الطعام الذي طلبناه كثيرًا، وعندما وصل التأخير ما يقرب نصف ساعة، قام صديقي وتوجه غاضبًا إلى مدير المطعم قائلًا: أنصحك بإقفال المطعم لأنه يكشف كذبكم وخداعكم ! كان الصديق من أساطير الإلتزام بالمواعيد والوفاء بالوعود، لكنه كان كثير التذمر والشكوى من الناس، كنا نحن الشلة نردد جملته التي اشتهر بترديدها: ناس ما تستحي! جاء لقائي به الأسبوع الماضي بعد انقطاع دام مدة طويلة، لكنني هذه المرة وجدته مختلفًا، كثير المزاح والضحك، لم ألحظ فيه أي توتر، لم تفارق ابتسامته شفتيه، قلت له إنني سعيد برؤيته وسعيد أكثر بحيويته. ولأنه ذكي كعادته، التقط المعنى الذي أقصده. قال بأنه فكر في أمر عصبيته وتذمره المتكرر من تصرفات الناس، وتوصل إلى نظرية جعلته يصبح رجلًا هادئًا، أسمى نظريته «النسخة الاحتياطية»، بمعنى أنه إذا ما اتفق مع أحد على أمر ما ينسخ تصورًا احتياطيًا عن عدم التزام الطرف الآخر بالاتفاق، فلا يتفاجأ من عدم الالتزام فيما لو حصل، وإذا ما قرر تناول الطعام في المطعم فإنه ينسخ تصورًا عن سوء الخدمة التي قد يلاقيها فلا يتفاجأ من سوء الخدمة إذا ما حصلت، أصبح يتعامل مع كل الأمور بنسخة احتياطية تجنبه الغضب والتذمر. منذ لقاء صديقي وأنا أدرب نفسي على النسخة الاحتياطية.
لاو تزو: محبة الآخرين لك تمنحك القوة، بينما محبتك لهم تمنحك الشجاعة.