العاطفة الشديدة غالبًا تقول للعقل تفضل واجلس جانبًا. خصوصًا إذا استخدمت بطريقة خاطئة أو نحو الشخص الخطأ. صديقي وليد اليمني يقول بأن الأكل اليمني هو الألذ على مستوى العالم، كما أنه صحي جدًا ويوصي به الأطباء حسب ما سمع ونُقل له عن طبيب ألماني! ومع محبتي للأكل اليمني اللذيذ إلا أن لا شيء يثبت أنه الأفضل على العالم، لا دراسات ولا استبيانات ولا انتخابات، كما أن مسألة أنه صحي فلا شيء يثبت ذلك، لا دراسات ولا تحليلات ولا اختبارات، كل ما في الأمر أن صديقي ينظر بعين العاطفة لبيئته التي لم يغادرها إلا قليلًا. بالنسبة لي لا أبدل «المرقوق» بأي طعام آخر وإن كان من أفخم مطعم إيطالي أو فرنسي، أنا كذلك تشكلت ذائقتي العاطفية من بيئتي. في بدايات العشرين من عمري كنت أحب أحد أصدقائي حبًا شديدًا، وكان كلامه مصدقًا عندي لدرجة أني لا أناقش ولا أشك، وكان الصديق كثير الحكايات والمغامرات التي لم يصدف يومًا أن كنت معه في إحداها، كانت جميعها تحدث في الوقت الذي لا نكون فيه معًا. في إحدى الأيام انضم لنا شخص ثالث، وبعد أسابيع قليلة سألني على حدة الذي انضم إلينا إن كنت أصدق كلام صديقي فأجبته بنعم، لكنه فاجأني عندما وصف صديقي بالخيالي متجنبًا وصفه بالكذاب! ناقشته.. وجلس يحلل لي كيف أن حكايات صديقي من وحي الخيال، كان من الصعب علي تقبل حقيقة حكايات صديقي، لكنني عندما بدأت أركز فيها وجدت أنها فعلًا خيالية للأسف، ولم أنتبه لخيال صديقي الجامح، لأني كنت أراه بعين العاطفة الشديدة التي عطلت عقلي. الجيد في الأمر أن حكاياته كانت ممتعة وحماسية ومسلية، وبالطبع كان يُظهر نفسه في الحكايات أشجع من عنترة بن شداد، وأكثر جاذبية من إيلون ديلون في شبابه. نحن ننخدع غالبًا من الأشخاص الذين نثق فيهم، أولئك الذي لا نثق بهم لا يستطيعون خداعنا! العاطفة نعمة كبرى لنتراحم فيما بيننا ونجبر خواطر بعضنا، لكنها نقطة ضعف للإنسان إن عطل العقل من أجلها، وقد تكون إن تجاوزت حدودها من أكبر المشاكل التي يصنعها الإنسان لنفسه.
بدر بن عبدالمحسن:
ألا يا طفلتي ما هو الهوى هالشارع المهجور
ولا هو ريحة غبار الوعد بأسفل ثيابك
كذب من قال ورد العاطفة ينبت بظل السور
وجبان اللي يخاف الناس لو وقف على بابك
كتب لك كل مافي الحب من عذب الكلام سطور
ولكنه عجز يا طفلتي لا يكتب كتابك.