ميترو.. تجاوز ويلات الحروب.. رجم القطار بالحجارة.. واكتشفه مدرب الفيحاء
في مدينة سميديريفو الصغيرة في وسط صربيا، ذات الطابع التاريخي والتراثي يتذكر السكان المحليون في القرية الطفل المزعج والمشاكس الذي تسبب في الكثير من المشاكل خلال طفولته، هكذا يتذكرونه حين يتجول ألكسندر ميتروفيتش بسيارته الفاخرة من طراز bmw، يستذكر فيها أيامه الخوالي ومرتع الطفولة.
ولد ألكسندر ميتروفيتش في 16 سبتمبر عام 1994 بمدينة سميديريفو التي تقع شرق صربيا على نهر الدانوب، وتبعد نحو 45 كم عن العاصمة بلجراد، ووفقًا للتعداد العام للسكان الذي أجري عام 2011، يعيش فيها أكثر من 63 ألف نسمة، وتتمتع المدينة بتاريخ عريق، بسبب احتضانها الإمبراطوريات العثمانية والنمساوية واليوغسلافية، فأصبحت شاهدة على قرون قديمة وخليط من حضارات انتهت.
لكن الطفل ألكسندر حين فتح عينيه لم يكتب له الاستمتاع بجمال مدينته السياحية التي كان رجالها يخوضون حربًا مع الجيش اليوغسلافي ضمن حروب الاستقلال التي خاضتها دول خضعت لهيمنة الاتحاد اليوغسلافي قبل تفككه 1991، وحتى بعد مرور خمسة أعوام من عمر الطفل الصغير، لم يكن هناك حديث في البلاد سوى الحرب قبل أن تنتهي في مطلع الألفية الجديدة ويعود للمدينة وجهها الهادئ مرة أخرى.
كان من الطبيعي أن يقع ألكسندر في حب كرة القدم منذ الصغر، فالألعاب المتاحة للتسلية في بلد خرج لتوه من عالم الاتحاد اليوغسلافي المغلق لم تكن كثيرة، ناهيك عن حروب البلقان وأناشيد الحماس والدماء التي تصدرت الصحف آنذاك، وتلك كلها عوامل دفعت الطفل الصغير إلى أن يصبح طفلًا شقيًا مشاكسًا وعنيفًا ويفتعل الكثير من المشاكل التي أرهقت والديه.
يقول ميتروفيش عن طفولته: «أخبرني والدي أنني كنت سأصبح مجرمًا أو لاعب ملاكمة، إن أكبر مشكلة واجهتها على الإطلاق كانت عندما كنا نلقي الحجارة على القطار أثناء اقترابه من الجسر، الجميع فعل ذلك، لكني أنا من حطم النافذة. وكان على القطار أن يتوقف، لقد ركضت وركضت طوال الطريق إلى المنزل. كان والداي غاضبين. «لماذا أنت دائمًا؟» صرخوا في وجهي، اعتقدت أنني كنت سيئ الحظ، إذا نظرنا إلى الوراء، لم يكن ينبغي لي أن أفعل ذلك».
ويضيف الصربي: «لكنني كنت دائمًا أتخذ قرارات غبية وأقع في المشاكل، إذا قال أحدهم: لا يمكنك الذهاب إلى هناك، لا تقفز من فوق ذلك، سأفعل العكس تمامًا، لقد كنت شقيًا».
حاول والدا ميتروفيتش إيفيكا وناتاسا توجيه الأدرينالين والنشاط لدى ابنهما، بطريقة صحيحة والاستفادة منه من خلاله تسجيله في مدرسة للكاراتيه بسبب حبه الشديد للقتال الجسدي لكن تلك الحيلة لم تنجح أيضًا.
يقول ميتروفيتش عن تلك الحيلة: «لم يكن الأمر مناسبًا لي، ولم أحب القواعد، وهذا أمر منطقي تمامًا. أردت أن أتحرر من كل ذلك، كنت بحاجة إلى شيء يسمح لي بالتعبير عن نفسي، ولكن في الوقت نفسه يغرس فيّ الانضباط ويبعدني عن الشوارع».
لكن سرعان ما ذهبت أعوام الطفولة، ووجد ميتروفيتش شغفه في لعبة كرة القدم، حين التقطته أعين الصربي فوك رازوفيتش مدرب فريق الفيحاء الحالي الذي كان حينها في بداية مسيرته التدريبية بأكاديمية بارتيزان، بعدها تولى تدريب تيليوبتيك، أحد أندية الدرجة الأولى وقتها، وقرر الاستعانة باللاعب الذي كان في ناشئي بارتيزان على سبيل الإعارة.
تمكن فوك رازوفيتش من صقل موهبة ميتروفيتش ومنحه الفرصة، وساعده في الانضمام إلى الفريق الأول لبارتيزان في دوري المحترفين الصربي، وبعدها تم بيعه إلى أندرلخت في أغسطس 2013، وسجل 16 هدفًا في الدوري وحقق مع الفريق اللقب، وانتقل بعد ذلك إلى نيوكاسل وفولهام ومن ثم إلى الهلال.
يقول رازوفيتش عنه: «كل ما حققه ميتروفيتش في مسيرته الاحترافية ومستواه التهديفي الرائع له أهمية بالنسبة لي كمدربه سابقًا، فقط أولئك الذين مروا بها يعرفون مدى صعوبة فترة الانتقال من الشباب إلى الفريق الأول، وكيف يجب أن تكون قويًا ذهنيًا للتغلب على الصعاب».
وأضاف رازوفيتش: «لقد كان فتى شابًا وطموحًا ويرغب في النجاح، كان جسده مثاليًا وإمكاناته واضحة، وسرعان ما فرض هيمنته داخل منطقة الجزاء، وأنا سعيد جدًا بما يحققه، لأنه كان محترفًا من اليوم الأول في أكاديمية النادي، وأتمنى له الأفضل دائمًا».
سيكون الشعب الصربي فخورًا بالخدمة التي قدمها له مدرب الفيحاء حين يحمل الفتى الذي راهن عليه راية منتخب بلاده في نهائيات «يورو 2024»، كونه يُعدّ ورقة ثابتة لا غنى عنها في خطط المدرب دراجان ستويكوفيتش، ولا سيما بعد موسمه الناجح الأخير على الأراضي السعودية، وبصفته الهداف التاريخي لمنتخب بلاده، برصيد 58 هدفًا دوليًا.