|


جبر الشايقي
الإعلام الرياضي.. الصناعة أعني والاحتراف
2024-06-22
يعدُّ الإعلام الرياضي صناعةً مهمةً ومؤثرةً في المجتمعات والدول، وشريكًا رئيسًا في الرسالة الحضارية، ويرسم الصورة النمطية المتعلقة والراسخة بتلك المجتمعات، فهو مختلفٌ بالكلية عن بقية فروع الإعلام التخصصية الأخرى، حيث تمرُّ من خلاله وبسهولةٍ كثيرٌ من القيم والمثل، والهوية، والعادات والتقاليد نحو أبناء الجيل، كما يعدُّ عملًا احترافيًّا ودقيقًا، وموردًا ماليًّا، يعزِّز التنمية، ويرفع من مصادر الدخل، لكنه في المقابل، يتطلَّب مجموعةً من المهارات، والمعرفة، والأخلاقيات من قِبل العاملين فيه، سواءً كانوا صحافيين، أو معلِّقين، أو محلِّلين، أو مصوِّرين، أو مخرجين، أو مقدِّمين، أو مذيعين، أو مراسلين، أو حتى ما شملته قائمة المهن الجديدة التي طرأت عليه.
إن الإعلام الرياضي ليس بذخًا، ولا همًّا، ولا ثقلًا، تتحمَّله المؤسسات الرسمية، وتتلقَّفه الجماهير بقدر ما هو فنٌّ من الفنون التي تحتاج إلى أسرة تحريرٍ متكاملةٍ لصياغة رسالةٍ، تعبِّر عن هويتها وأهدافها حتى وإن كانت استثماريةً، خاصَّةً إذا عرفنا أن الإعلام الرياضي أحد أهم مصادر الدخل للمؤسسات الإعلامية منذ أن كانت الملاحق الرياضية تشكِّل موردًا ماليًّا مهمًّا للصحف الورقية حينما كانت هذه الصحف تتصدَّر المشهد.
إن القدرة الهائلة التي يشكِّلها الإعلام الرياضي، ليكون موردًا اقتصاديًّا، جعلت منه محل اهتمامٍ لعديدٍ من الدول، حتى إن بعضها أعادت صياغته بما يُعرف بالرياضة الإعلامية، وهي شراكةٌ قويةٌ وفاعلةٌ بين صنَّاع الرياضة والإعلام، تولد من خلالها بطولاتٌ، تدرُّ دخلًا ماليًّا هائلًا، يبدأ ببيع الحقوق، ثم يستكمل ذلك من إعلانٍ ورعايةٍ وترويجٍ، ويصل إلى بيع المقتنيات مثلما نشاهده في الملاكمة، والمصارعة، والسباحة، والدورات الودية الدولية على مستوى كرة القدم ككأس موسم الرياض، وبعض الرياضات التي ترتبط بفصول السنة مثل الرياضات الصيفية والشتوية، ويخلق بقدرته الهائلة مع العمل المنظَّم والواسع فرصَ عملٍ وتوظيفٍ لكثيرٍ من الخريجين والموهوبين والمهنيين في مجالاتٍ متنوعةٍ بينها الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون، والإنترنت، والتسويق، والعلاقات العامة، والتنظيم والإدارة.
إن كثيرًا من الصفقات المدوِّية، والأرقام الخرافية التي نسمعها في انتقالات اللاعبين، ليس يقابلها إلا تلك المعنية بشراء حقوق النقل، وإن كانت قد تغيَّرت من شكلٍ رأسي تفرُّدي إلى أفقي واسعٍ مع تغيير التلفزيون من الأقمار الصناعية إلى التقنيات الرقمية التي تمركزت في جغرافيا معينةٍ، ومع إعادة توزيعٍ شبه عادلةٍ، فعلى سبيل المثال، بلغت قيمة حقوق البث التلفزيوني للدوري الإنجليزي الممتاز في الفترة من 2022 إلى 2025 أكثر من عشرة مليارات جنيه إسترليني، بحسب موقع «The Athletic». وإن كان بعضهم يراها مصدرَ تمويلٍ للأندية، فإنه من الضروري أن يكون شيءٌ منها مصدرًا لتطوير أعمال الإعلام إلا إن كنا نعتقد أن الإعلام مجرد محتوى على منصة «X».
وحتى يشكِّل الإعلام الرياضي حجر الزاوية في مشروع الصناعة التي أعني والاحتراف، يتطلَّب ذلك منه مهاراتٍ ومعرفةً وأخلاقياتٍ، يمكن تحقيقها عبر تأهيل المحترفين منهم، وتطوير قدراتهم، لأنهم يواجهون تحدياتٍ ومتغيراتٍ كثيرةٍ في مجالهم، مثل التقنيات الحديثة، والمنافسة الشديدة، والتطلُّعات المتزايدة للجمهور، والمصادر المتعددة للمعلومات، فالإعلام الرياضي في حاجةٍ لأن يسهم في رفع مستوى الإبداع والتميُّز والتنوُّع، بالتالي يساعدهم في بناء المنافسة الإبداعية، ونقلها من الإثارة والفوضوية ونسج الشائعات إلى تقديم محتوى رياضي جذابٍ وممتعٍ ومفيدٍ للجمهور، وتساعدهم قدراتهم التي يجب أن يتدربوا عليها لخلق أساليبَ وأنماطٍ وأدواتٍ مختلفةٍ في إنتاج وعرض ونشر المحتوى الرياضي.
إن حوكمة الإعلام بالشكل الفعلي لابد أن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمسيرة العاملين فيه ليحصلوا على فرصٍ وإمكاناتٍ ومكافآتٍ وتقديرٍ واعترافٍ على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ويصبحوا مرجعيةً وقدوةً ونموذجًا للآخرين في مجالهم، بالتالي أكثر حكمةً وفائدةً في الحفاظ على مكتسباتهم، وعلى اسم وقيمة مؤسساتهم التي تعتني بهم، وتمكِّنهم من الابتكار والإبداع والتطور الذي يوازي الإبداع والتطور في المنظومة الرياضية، وليتحوَّل العمل الإعلامي من مجرد حصد مبالغَ زهيدةٍ عبر مشاركاتٍ في منصات التواصل الاجتماعي إلى مكاسبَ حقيقيةٍ، تجعل منه اسمًا مؤثرًا، يقدم طرحًا، يسهم به في تحقيق الهدف ذاته من نشر القيم والعادات والرسالة الإنسانية التي تمثلها بلده، أو رياضة بلده.