|


صالح الخليف
رونالدو إلى الأبد..
2024-06-29
غالبية البطولات التي كتبها رونالدو في سجلاته ولدت بطرق متعسرة ومعقدة وشاقة، فحتى بطولات الدوري وجد برشلونة وأتلتيكو مدريد في إسبانيا، وليفربول وتشيلسي والسيتي وأرسنال في إنجلترا ينازعونه المجد إلى اللحظات الأخيرة.. لكن فوزه بأول بطولة تعرفها بلاده كان أمرًا مستحيلًا، وخارقًا ومعجزة حقيقية.. جاء هذا في بطولة يورو 2016 على الأراضي الفرنسية.. وصل البرتغاليون بقيادة أسطورتهم الخالدة كريستيانو رونالدو إلى باريس كالغرباء الذين يدخلون المدن المنسية في أواخر الليالي الباردة.. لا ترشيحات تسبقهم.. لا أحلام تنتظرهم.. لا توقعات تضعهم بجوار الكبار المؤهلين لمنصة الذهب.. وقعوا في مجموعة يمكن وصفها بالسهلة والبسيطة ومع هذا كانوا أقرب للوداع والخروج من دور المجموعات منهم للتأهل.. عبروا بصعوبة بالغة وعملية حسابية مضطربة.. تعادلوا في كل مواجهاتهم.. تعادلوا مع المجر وأيسلندا والنمسا.. منتخبات لا تملك أي تاريخ يجعلك تعتقد ولو للحظة واحدة أنها قادرة على إزاحة فرقة كالبرتغال من المشهد.. عبر البرتغاليون ضمن حسبة أبرز الثوالث.. أكملوا المشوار المتعرج.. وجدوا نفسهم في النهائي.. الفرنسيون لا يعرفون مذاقات الخسارة في أي نهائي تحت أضواء باريس الساطعة.. البرازيل وإسبانيا وغيرهما يعرفون هذه الحقيقة الدامغة عز المعرفة.. كان أمام رونالدو ورفاقه امتحان عاصف وصعب ومميت.. أكثر البرتغاليين المتفائلين كانوا يتمنون أن يطلق الحكم الإنجليزي مارك كلاتنبورج صافرته الأخيرة وشباكهم لا تتلقى أهدافًا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.. الفوارق الفنية والتكتيكية والفردية واضحة المعالم كما هو اتضاح برج إيفل من أي مكان في يوم باريسي مشمس.. انطلقت المباراة وسط ضغط فرنسي رهيب.. كانوا متعجلين على ضرب منافسهم وحسم الأمور مبكرًا.. حاول الدفاع البرتغالي جاهدًا منع الفرنسيين من الوصول إلى المرمى.. يهدر الهجوم الفرنسي أهدافًا في متناول اليد.. كل شيء كان يوحي إلى أن الهدف الفرنساوي قادم كالأقدار المتعبة.. فقط هو الوقت.. في الدقيقة الرابعة والعشرين يسقط رونالدو مصابًا.. تتوقف الأنظار.. تعلو أجواء الترقب.. الفريق الطبي يحاول إسعافه بكل ما امتلك من خبرة ومعرفة.. يقررون بعد دقائق استحالة إكمال المباراة.. الحزن وبدايات الدموع تتصبغ على وجه الأسطورة.. يغادر الملعب بالنقالة.. عاصفة من التصفيق والتعاطف تنطلق من كل مدرجات الملعب المكتظ بالجماهير الفرنسية.. المصائب لا تأتي فرادى.. ضغط فرنسي مزعج وسيطرة شبه كاملة ورونالدو يخرج من الملعب.. تبدو الصورة أكثر وضوحًا.. هو الوقت فقط ويحتفل الفرنسيون باللقب.. هذا هو المنطق المتعقل.. البرتغال كانت مهتزة من البداية.. فماذا ستكون أحوالها ورونالدو قد خرج.. يالهذا السؤال الذي يختصر كل شيء قادم..
في مباريات كهذه وتحديات كهذه ومعارك كهذه، أنت بحاجة حارس مرمى أسطوري ينقذ ما يمكن إنقاذه.. لهذا يتوجب على كل الأندية والمنتخبات الكبيرة أن يكون حارسها رجلًا باسلًا كما هو هدافها الماهر.. كرة القدم هدف يسجل وهذا دور الهداف البارع.. هدف يمنع وهذا دور الحارس الواثق.. فقدت البرتغال هدافها التاريخي، وبقى في الملعب حارس عملاق يدعى روي باتريسيو، وهذا الرجل تكفل بالمهمة.. ذاد عن شباكه حتى اقتربت المباراة من ركلات الترجيح.. كان الفرنسيون يسعون جاهدين للتسجيل قبل الوصول إلى ركلات الحظ القاتلة.. قبل نهاية الأشواط الإضافية بدقائق بسيطة ومن هجمة مرتدة يظهر لاعب أسمر مجهول اسمه إيدير أصوله غينية وكان حينها يدافع عن شعار ليل الفرنسي وانتهى به المشوار في صفوف الرائد.. دخل بديلًا في أواخر المباراة.. يتسلم الكرة قبل منطقة الجزاء ويسددها قوية زاحفة تسكن المرمى وتصيب فرنسا كلها بالصدمة.. قتال في الدقائق المتبقية.. قتال فرنسي بحثًا عن الهدف.. قتال برتغالي يقوده الحارس باتريسيو.. المدرب سانتوس ورونالدو المصاب يتوليان التحفيز والتوجيه من على مقاعد الاحتياط.. يطلق الحكم صافرة الأحلام البعيدة معلنًا البرتغال بطلًا لأول مرة في التاريخ.. رونالدو بطل أوروبا.. يحيطه اللاعبون من كل الجهات ويحتفلون معه لأنهم يستشعرون قيمته وأهميته ومعنى أن يكون رونالدو معك قائدًا ونجمًا ورفيقًا..
بعدها تكتب صحيفة أوجوجو البرتغالية عنوانًا للمباراة والإنجاز: «أبديون».
تريد القول وباختصار ووضوح، هذا المنتخب وهؤلاء النجوم وهذه الوجوه ستخلدهم ذاكرة البرتغال إلى الأبد.. هم أبديون
في غرفة الملابس وقف رونالدو يتكلم.. قال للاعبين: أنتم الأبطال.. أشار بيده للمدرب هذا رجل بطل.. قال لهم.. شكرًا لكم
كانت بطولة عصية، لكنها ترسخت إلى الأبد بكل تفاصيلها الصغيرة.. كيف لا تترسخ ورونالدو بطلًا استثنائيًّا في تاريخ بلاده وأوروبا.