|


صالح الخليف
تغيير.. وعملية إنقاذ
2024-07-01
ما أنقذ بيلنجهام المنتخب الإنجليزي.. أنقذ بطولة أوروبا.. أنقذ المشجعين المحايدين.. أنقذ كرة القدم..
قبل مباراة إيطاليا وسويسرا كان عشاق اللعبة يترقبون لقاءً عصيًّا يجمع الإنجليز والطليان في دور الثمانية، لكن النجوم الحمراء السويسرية أبت إلا أن تزيح منتخب الدفاع عن المشهد وتواصل مغامراتها المفاجئة.. خرجت إيطاليا ولم تستطع الاستمرار وتجديد تحدٍ كروي مثير أمام هاري كين ورفاقه كما حدث في ويمبلي قبل أربع سنوات على نهائي يورو2020، وحينها ابتسمت ركلات الحظ المميتة للمدرب مانشيني ولاعبي بلاده.. كانت ستكون مباراة مفصلية ربما ترسم ملامحها وجه البطل أو الوصيف على أقل تقدير.. خرجت إيطاليا بطريقة محزنة على الحال التكتيكي الذي وصل إليه الفريق الأزرق حينما ظهر وكأنه يقاتل بأسلحة بدائية لا تليق بمن مثله.. كاد السلوفاكي يكرر ذات الحكاية على الرغم من الالتزام الفني الإنجليزي المبني على الحذر والتوازن وتوزيع مصادر القوة.. تقدمت سلوفاكيا منذ منتصف الشوط الأول، وكانت حكاية تجدد الأيام المفاجئة يلوح في الأفق.. استمر الضغط الإنجليزي، واستمر الحلم السلوفاكي.. حلم مستمر بلا رؤية واضحة.. سد الفراغات ومحاولة مجاراة الإنجليز في وسط الملعب وتكثيف التحصين الدفاعي بأكبر قدر من الأجساد والوجوه، حتى تنتهي المعركة وتشتعل أفراح الحياة.. الحلم وحده طبعًا لا يكفي.. وما أكثر من لا يملك في هذا الكون إلا حلم ينهشه التأجيل والليالي المجهولة..!!
في الرمق الأخير وبينما كان كل معلقي المباراة وبكل اللغات يتحدثون عن الأسباب التي أدت إلى هذا الضياع الإنجليزي ارتقى الفتى اليافع بلينجهام وترك قدميه تعزفان لعبة الاتجاهات المعاكسة، فيما الحارس أصيب بالخرس والتجمد والصدمة واكتفى متابعًا الكرة تخترق الزمن وتسكن شباكه هدفًا دراميًا سيصمد في ذاكرة أخطر أهداف البطولة الأوروبية سنين عددا.. بعد هدف التعادل ذهبت المباراة للوقت الإضافي.. من الظلم أن تخسر إنجلترا بعد هدف كهذا.. أكمل هاري كين بقية الحفلة وأعاد أوراق الطبيعة إلى أغصانها وجذوعها فيما كان فصل الخريف يطرق الأبواب..
ما كان عندي رأي حاسم وقاطع تجاه بيلنجهام.. لست من هواة لاعبي الالتزام ورجال التكتيك.. أميل كثيرًا إلى لاعب المهارة.. راقبته في العام الماضي مع الريال.. وجدته ذا شخصية خاصة جدًا داخل الملعب.. يلعب الكرة بشيء من الوعي والرجولة والتعقل.. هذا النوع من اللاعبين لم يعد حاضرًا بشكل واسع.. كثيرون يعوضون فقدان المهارة بالاجتهاد.. لا أحب هؤلاء اللاعبين.. بيلنجهام قائد حقيقي على الرغم من سنواته العشرينية.. هادئ ومنضبط ويلعب طوال التسعين دقيقة بنمط واحد.. قوي ومقدام ورأسه يعرف متى يوجه الكرة نحو المرمى.. كان عاملًا رئيسيًا في إنجازات الريال الكبيرة هذا الموسم.. سيفعل الأفاعيل برفقة مبابي.. العالم ينتظر ولادة ثنائية قاتلة لا تعرف الرحمة.. سعدت كثيرًا لفوز الإنجليز وأسعدني أكثر أن بيلنجهام هو صاحب اليد الممتدة في هذه الخطوة الجبارة..
بعد المباراة كتب الصحافي جيمي كارجر المحرر في صحيفة تيلجراف الإنجليزية: جود بيلنجهام غيّر كيف سينظر التاريخ إلى المدرب جاريث ساوثجيت..
يا جيمي.. بيلنجهام غيّر أشياء كثيرة.. غيّر لعب الريال.. غيّر لعب الإنجليز.. غيّر بطولة أوروبا.. غيّر فكرتي عن أهمية لاعب الشخصية القوية.. إنه لاعب التغيير الذي سيصنع التاريخ..!!