|


أحمد الحامد⁩
الأسطورة أينما ذهب
2024-07-04
في المصعد، دخل طفلٌ، لم يتجاوز السابعة، ويحمل في يده كرة قدمٍ، فسألته: أي فريقٍ تشجِّع؟ فأجاب دون تردُّدٍ: ميسي. كانت إجابةً حقيقيةً، إذ اكتشفت بأنني لم أكن أشجِّع برشلونة! كنت مثل طفل المصعد، أشجِّع ميسي، وعندما غادر النجم الأرجنتيني برشلونة، لم أعد أتابع الفريق الكاتالوني، بل ولا أدري كم كان ترتيبه في الموسم الأخير، ومَن انضمَّ إليه، ومَن غادره.
وجدت نفسي أتابع ميسي مع باريس سان جيرمان، مع أنه لم يسبق وأن شاهدت مباراةً واحدةً في الدوري الفرنسي طوال حياتي! والآن أعرف ناديًا اسمه ميامي، اسمٌ يصلح لمطعمٍ ليلي لا لفريق كرة قدمٍ، فلم ترتبط في مخيلتنا أسماءُ الولايات الأمريكية بكرة القدم يومًا.
قبل 40 عامًا انتقل دييجو مارادونا من برشلونة إلى نابولي الإيطالي. حينها لم نكن نعرف نابولي، فهي مدينةٌ فقيرةٌ جنوب البلاد، تبرَّع سكانها لجمع المبلغ الذي يجلب مارادونا إلى مدينتهم، ووضعوا صناديق التبرُّعات في الملعب، وقدَّم سكان المدينة كل ما يستطيعون، واحتفلوا حتى الصباح بعد اكتمال مبلغ العقد.
كان مارادونا أملهم في إخراج مدينتهم إلى النور، ووضع حدٍّ لتعجرف الشماليين. فعل الأسطورة الأرجنتيني لنابولي ما تحلم به كل مدينةٍ في العالم، لقد صارت أشهر من ميلانو وروما في ذلك الوقت، بل ومن كل شيءٍ في إيطاليا، ورأى النابوليون للمرة الأولى كيف يهزم فريقهم الفقير فرقَ مدن الموضة الثرية. حوَّل مارادونا نابولي من مدينةٍ منسيةٍ مهملةٍ إلى مزارٍ عالمي.
عندما غادر مارادونا بعد تحقيقه كل البطولات في إيطاليا، غادر محبوه معه، وصاروا يتابعونه أينما يذهب، ويدافعون عن كل حماقاته التي ارتكبها خارج الملعب! حينها قال له أحد الصحافيين الأرجنتينيين: «نحن لا ننظر إلى ما تفعله خارج الملعب.. نحن ننظر إلى ما فعلته فينا نحن الأرجنتينيين». كان مارادونا وقتها قد أحضر كأس العالم 1986 إلى العاصمة بوينس آيرس.
اليوم عندما أنظر إلى قمصان نادي النصر التي يرتديها المشجعون في أنحاء العالم، أعرف أن عشرات الملايين، انتقلوا من تشجيع ريال مدريد ومانشستر يونايتد إلى تشجيع النصر، لأنهم يتبعون كريستيانو رونالدو كما تبعنا مارادونا نحن الجيل الأقدم، وكما تتبع الجماهير ميسي حاليًّا أينما ذهب. عندما يتحوَّل اللاعب إلى أيقونةٍ، ترتبط محبة الناس به لا بالفريق الذي يلعب له. إنهم يحبون أسطورتهم الملهمة، فلا يهمُّ الطفل الذي صادفته في المصعد الفريق الذي يلعب فيه ميسي الآن، لأنه لا يشجع ميامي، بل يشجع ميسي.