بين «الطواحين» و«الأسود».. ثلاثية فان باستن.. وثأر إنجليزي منقوص
تخلُف مواجهة المنتخب الإنجليزي الأول لكرة القدم ونظيره الهولندي، الأربعاء، ضمن الدور نصف النهائي من كأس أوروبا «يورو 2024» نزالين سابقين بين طرفيها، مطبوعين في ذاكرة البطولة التي دُشنت عام 1960.
وجاء النزال الأول في ثاني جولات دور المجموعات من نسخة 1988 التي استضافتها ألمانيا، مسرح البطولة الجارية أيضًا.
وآنذاك دخله الطرفان بحثًا عن تعويض خسارتيهما خلال الجولة الأولى، إنجلترا أمام أيرلندا 0ـ1، وهولندا من الاتحاد السوفييتي السابق بالنتيجة ذاتها.
وبدا الإنجليز أفضل فنيًّا خلال الشوط الأول، وحرمتهم إطارات هانز فان بروكلين، حارس مرمى هولندا، من هدفين محققين للمهاجم جاري لينيكر، وجلين هودل، صانع الألعاب.
وبعكس سير اللعب، تقدّمت هولندا قبل نهاية الشوط الأول بدقيقة، عندما تفوق قائدها رود خوليت، رأس الحربة، على جاري ستيفينز، ظهير أيمن إنجلترا، وأرسل كرة عرضية امتصّها زميله في الخط الأمامي ماركو فان باستن، وأطلق تسديدة سكنت شباك بيتر شيلتون، حارس مرمى «الأسود الثلاثة».
ومن تبادل بين لينيكر والقائد برايان روبسون، لاعب الوسط، اقتحم الأخير منطقة الجزاء وسط حراسة المدافع رونالد كومان، مدرب هولندا الحالي، ورفاقه، وسدَّد الكرة داخل مرمى فان بروكلين مدركًا التعادل في عاشر دقائق الشوط الثاني.
ومع دخول ثلث الساعة الأخير من المباراة انهارت الدفاعات الإنجليزية وتلقت هدفين متواليين بتوقيع فان باستن أيضًا في الدقيقتين 73 و76، أوَّلهما بصناعة خوليت، والآخر من متابعة لرأسية المهاجم البديل فيم كيفت.
وفان باستن، صاحب الهاتريك، كان عائدًا للتو بعد واحدة من الإصابات التي طاردته طوال مسيرته وأجبرته على الاعتزال مبكرًا.
وبسبب ضعف جاهزيته، جلس بديلًا في المباراة الأولى ودخل قبل نهايتها بـ 31 دقيقة فقط، محاولًا، دون نجاح، الرد على هدف السوفييت، بينما ارتأى مدربه رينوس ميتشلز إشراكه أساسيًّا أمام إنجلترا لتجاوز المأزق والدفاع عن حظوظ التأهل.
في تصريح لاحق، تحدث المهاجم المعتزل عن تلك المباراة قائلًا: «ذكرى جميلة جدًّا، ومباراة شديدة الأهمية بالنسبة لي ولهولندا ولمسيرتي.. لقد تغيَّر بعدها كل شيء.. مررت بعام صعب مع الإصابة، ومنذ تلك اللحظة كل شيء تغير وسار بصورة إيجابية. سجَّلت ثلاثة أهداف وفزنا في لقاء مثير، وبعده جاءت المباريات الأخرى أسهل، وسارت الأمور على ما يرام».
وفيما استعاد الهولنديون توازنهم بذلك الفوز وتأهلوا خلف الاتحاد السوفييتي، وأكملوا طريقهم نحو تسلق منصات التتويج للمرة الأولى والأخيرة عبر تاريخهم، أطاحت الهزيمة بمنافسهم وكبّدته صدمة الخروج من الدور الأول.
وبعد ثمانية أعوام من تلك الواقعة، استضافت إنجلترا البطولة على أراضيها، وأوقعتها القرعة برفقة هولندا، متيحة أمامها فرصة مثالية للثأر.
وحصد الطرفان أربع نقاط من أول مباراتين، ودخلا مواجهتهما ضمن آخر جولات دور المجموعات باحثين عن تأمين التأهُّل من مطامع إسكتلندا وسويسرا المتساويتين بواقع نقطة واحدة لكل منهما.
هذه المرة لم تمتلك الكتيبة الهولندية فان باستن، وخوليت، لكنها كانت مدجّجة بأسلحة من طينة دينيس بيركامب، وكلارينس سيدورف، وباتريك كلويفيرت، وليس سهلًا إسقاطها حتى بالنسبة لفريق يحتمي بميزة الأرض.
وقرَّر المدرب الإنجليزي تيري فينابلز، بعد تجربة خطط تكتيكية متنوعة منها «شجرة الكريسماس» وغيرها، العودة إلى أسلوب 4ـ4ـ2 التقليدي متخذًا خطوة إلى الخلف.
وبعيدًا عن الفنيات، غرس فينابلز في لاعبيه، وبينهم المدافع جاريث ساوثجيت، المدرب الحالي للمنتخب، الإيمان بقدرتهم على التحكم في الوسط، وامتلاك الكرة، والتحرك من دونها، والتمرير السريع، مثلما يفعل الهولنديون.
وأتت تعليماته بثمارها، ودكَّ لاعبوه حصون الطواحين برباعية تقاسمها المهاجمان آلان شيرر وتيدي شيرينجهام، وبات منافسيهم على شفا الخروج لولا هدف متأخر لكلويفيرت في الدقيقة 78 رجّح كفة منتخب بلاده على إسكتلندا التي تساوت معه بأربع نقاط لكل منهما.
وهكذا جاء ثأر الإنجليز غير مكتمل لعجزهم عن حرمان هولندا من التأهل مثلما فعلت بهم عام 1988.
وتأهَّل المنتخبان، وغادر البرتقاليون سريعًا من دور الثمانية، أولى المراحل الإقصائية، فيما عبرت إنجلترا منافستها إسبانيا، قبل السقوط أمام ألمانيا في نصف النهائي.
وفيما بعد، وصف شيرينجهام موقعة إسقاط هولندا بالأفضل عبر مسيرته التي امتدت لـ 24 عامًا، واتفق معه شيرر قائلًا: «ذلك كان أفضل أداء لي على الإطلاق».