|


نورمي.. بطل لا يبتسم.. انتهى منبوذا.. ووضع على مدخل هلسنكي

البطل الفنلندي بافو نورمي (الفرنسية)
نيقوسيا ـ الفرنسية 2024.07.17 | 02:46 pm

بدأت قصّة الفنلندي بافو نورمي، والانتصارات الأولمبية في دورة أنتورب عام 1920، وتطوّرت في باريس 1924، ثم في أمستردام 1928.
في أنتورب، تألّق نورمي وانتزع ثلاث ذهبيات في جري المسافات المتوسطة والطويلة، وفي باريس خطف الأضواء بعد أن أحرز خمس ذهبيات.
كان نورمي «امتدادًا» لمواطنه هانز كويلهايمن، الذي برز في ستوكهولم 1912، بعد صراعه مع الفرنسي جان بوان.
وتواجه نورمي في أنتورب مع فرنسي آخر، هو جوزيف جيمو، وشكّل ومواطنه فيلهو ريتولا في باريس «نموذجًا فائقًا»، فكان الثنائي الأعظم في جري المسافات المتوسطة.
وفي استعراض أيام ألعاب باريس، يجب التوقف عند ظاهرة نورمي، بطل سباق 1500متر، و5 آلاف متر، وتختصر مسيرته المظفرة بـ «أربعة أيام لا تُنسى» خاض خلالها سباقاته المتنوعة على المضمار والضاحية.
كان يظهر عليه دائمًا الحرص على التركيز والحضور الذهني والبدني، فظنّ البعض أنه يفضّل الانزواء وعدم الاختلاط، وعرف عنه أدائه تدريبات مرحلية تصاعدية لضمان اللياقة والقدرة على التحمّل، لذا سُمّي بـ«رجل الحسابات» والإيقاع والخطوات المدروسة الواسعة، وانتظام ذلك مع التنفس وتآلفه، علمًا أن بلوغ ذلك بحاجة إلى تضحيات كبيرة.
كان نورمي «27 عامًا» اكتشاف ألعاب أنتورب 1920، حطّم الرقم القياسي الأولمبي في سباقي 1500 متر «3:06.53 دقائق» و5 آلاف «14:31.2 دقيقة»، وجاء انتصاره في السباق الثاني بعد 20 دقيقة فقط من إنهائه الأول مكلّلًا بالغار، وهذه ظاهرة نادرة بحد ذاتها.
وشارك نورمي أيضًا في سباق الضاحية «10 آلاف متر»، الذي بلغ فيه عدد المتبارين 36 عداء من فرنسا والولايات المتحدة والسويد وفنلندا، لكن 23 انسحبوا، وكتبت الصحف في اليوم التالي معلقة: إنه سباق خطر، كان درب جلجلة في ظل حرارة وصلت إلى 40 درجة مئوية «يوليو، علمًا أن سباقات الضاحية منافسات شتوية»، وكان يجب إلغاؤه. الاتحاد الفرنسي لألعاب القوى أخطأ من دون شك». كان الغريب أن نورمي أنهاه بفارق كبير عن الآخرين، نضرًا ومنعشًا!.
واستعراض وقائع دورة أمستردام 1928، لا يكتمل من دون التطرّق إلى ظاهرة نورمي مجددًا. صحيح أنه قطف ذهبية أولمبية تاسعة «رافعًا رصيده إلى 12 ميدالية من مختلف المعادن» من خلال فوزه في سباق الـ 10 آلاف متر وتسجيله رقمًا قياسيًا جديدًا أمام مواطنه ريتولا، الذي ثأر منه في الـ 5 آلاف متر، لكنه ظل ذلك «التمثال الجامد»، الذي يتجنب الآخرين، والإدلاء بتصريحات أو حتى الابتسام حين تلتقط له الصور.
وتذكر التقارير أنه شوهد للمرة الأولى يضحك منذ عام 1920 في خضم سباق 3 آلاف متر موانع، الذي خسره أمام مواطنه تينو لوكولا «8:12.9 دقيقة»، حين تعثر في حفرة المياه، ومدّ منافسه دوكنسي له يده ليساعده في المتابعة... فكانت لفتة شكر منه عبّرت عنها معالم محياه، التي انفرجت أساريرها! غير أن هذا الشرود سهّل فوز لوكولا.
في إجاباته النادرة والمقتضبة على أسئلة الصحافيين، لم يتأثر نورمي يومًا بإطراء، بل يردّ: «أنا احبّ الفوز من أجل بلدي».
وعدّ أن دورة أنتورب «سباقات الخريف الماضي 1923 في ستوكهولم من أفضل ذكرياتي».
كان نورمي يجري واضعًا ساعة توقيت في معصمه ليضبط إيقاعه، ويقارن نفسه في هذا المجال بالفرنسي بوان الذي «يضبط إيقاعه على ساعة توقيت في رأسه». كان دائمًا يسابق الوقت ويتمنى العودة سريعًا إلى فنلندا لأخذ قسط من الراحة، ثم الركض مجددًا كما يجب، و«بعدها متابعة آخرين يتصدون لأرقامي».
واشتهر نورمي بغدائه «الإسبارطي»، يتناوله عند الـ 11:30 قبل الظهر، ومكوناته الأساسية لحوم بيضاء مطبوخة جيدًا مع صلصة وخضار وخبز فنلندي أسود ممزوج بحليب وماء.
نورمي «انتهى» منبوذًا بعد دورة أمستردام، وأوقف دوليًا بعدما اتهم بنيله 25 ألف دولار لقاء المشاركة في عدد من السباقات، فاستبعد عن الساحة العالمية.
وبعد 20 عامًا، أعيد الاعتبار إلى بطل كبير ووضع مجسم من البرونز له على مدخل ملعب هلسنكي، أسندت اللجنة المنظمة لأولمبياد هلسنكي إليه شرف إيقاد الشعلة في دورة عام 1952.
وانطفأت شعلة البطل التاريخي، الذي لا يتكرر، في الثاني من أكتوبر 1973، إثر نوبة قلبية وهو في الـ 76.