كان من الصعب على محبي مايك تايسون مشاهدته وهو يتلقى 78 لكمة، ولا يرد إلا بـ18 لكمة. ليس هذا تايسون الذي نعرفه، خسر بفارق العمر قبل أن يخسر بفارق النقاط. لم أعرف في حياتي ملاكمًا أشبه بالدبابة، ينقض على خصومه دون إعطائهم مجالًا للتنفس. أما هذه المرة فقد كان الفارق بينه ومنافسه 30 عامًا، و19 عامًا من التوقف عن اللعبة. عندما شاهدني أحد الأصدقاء حزينًا لخسارة تايسون قال مستغربًا: هل كنت تريده أن يفوز وهو في الـ 58 من عمره ؟ لم يعنني أن يفوز تايسون، فهو ليس بحاجة لأن يضيف فوزًا على ملاكم شبه محترف، ولأنه انتهى من تدوين أسطورته منذ زمن طويل، لكننا لا نتقبل تغيّر الصورة الذهنية عن الأبطال، لا نحب رؤيتهم في لحظات ضعفهم، وإن كانت باختيارهم، أو لطمعهم أو حاجتهم للمال. ربما كان بحاجة للمال، وفي كل الأحوال كان عليه أن يستأذننا نحن الجماهير، فقد لا نقبل خوضه المغامرة المتأخرة، لأنه عندما اعتزل اللعب أودع عندنا الانطباع الذي شكله في مخيلتنا، لذا نُعتبر نحن أصحاب القرار، وإن كنا نقبل بتغيير الصورة التي لازمتنا قرابة الثلاثين عامًا!. أحببت حكاية تايسون قبل أن أحبه كملاكم، جاء من الشوارع التي يصعب النجاة منها، والناجي إما أن يخرج محطمًا أو قويًا. في شوارع الموت تلك لا حلول وسط، ومن لم يكن قويًا عليه اللجوء للقوي. في الطفولة كان تايسون يدافع عن نفسه، كانت لكماته محاولات للصمود أمام قساوة ظروفه، كان صداها وهي ترتطم بالوجوه مسموعًا على وجوه الذين يكبرونه عمرًا، عندما بلغ الـ 13 عامًا تحوّل إلى ملاكم شوارع لا يخسر، وضمانًا للمراهنين عليه لكي لا يعودوا إلى بيوتهم وجيوبهم فارغة. في شوارع الموت تلك ماتت آلاف المواهب، إما قتلًا أو نسيانًا، الوحيدون الذين عاشت مواهبهم هي التي صادفها الحظ. سمع عنه مدرب الملاكمة الإيطالي «cus D’Amato» كان واحدًا من مدربي نيويورك القدماء، حينها كان في الرابعة والثمانين من عمره، ويبدو أن الحظ صادفهما سوية، وقرر أن يصنع منهما نجمين عالميين، ربما أراد الحظ أن يصالح ضميره بسبب آلاف المواهب التي تخلى عنها. درب cus تايسون 6 سنوات، وكان خلالها مربيًا وأبًا للفتى القوي، كان صمام أمان للقوة التي كانت بحاجة للتهذيب قبل التدريب. لاشك أن cus منذ لقائه الأول بتايسون علم أنه يدرب بطل عالم المستقبل، وإنها مسألة وقت لا أكثر، الوقت الذي لم يكن كافيًا لـ cus ليشاهد فتاه بحزام الملاكم الأقوى. توفي cus قبل أن يحصل تايسون على بطولة العالم بقليل، لكنه بقي في قلب مايك إلى يومنا هذا، قال عنه إنه لم يكن مدربًا فقط، بل والدًا شديد العاطفة، ولو أنه بقي على قيد الحياة، لما ارتكبت حماقاتي التي أفقدتني إحداها 4 سنوات من حياتي في السجن. لا أعرف كم المبلغ الذي حصل عليه تايسون مقابل نزاله أمام اليوتيوبر، لكنه كان أقل بكثير من الصور التي التقطت له وهو يتلقى اللكمات دون رد.