|


أحمد الحامد⁩
دروس من الحياة
2024-11-21
تعلمنا الحياة ما تعجز المدارس والجامعات عن تعليمه، العلوم تعلمنا مهنة قد نغيرها لاحقًا، أما الحياة فتعلمنا عن حقيقتها، تكشف لنا مع الوقت عن غموضها، وتزيل عنا بريق أضوائها الشديد لنرى بوضوح أكثر، في المدارس هناك مدة زمنية للتعلم، وشهادات تثبت أننا حصلنا على العلم الكافي الذي يؤهلنا لوظيفة، أما في الحياة فلا وقت محدد للتعلم، ولا مناهج مكتوبة، إنما دروس الأيام ندفع ثمنها فرحًا وحزنًا. تعلمنا الحياة أنك مهما امتلكت من عجائبها الثمنية فلن تغنيك عن حاجتك للأصدقاء، ومهما بعدت وانفردت وحيدًا تبقى بحاجة للعائلة، ومهما ظننت أنك قادر على المضي قويًا تكتشف أن الرحلة بحاجة لرفيق مهما قصرت أو طالت. تعلمنا الحياة أن أصوات الأبناء في البيت وما نسميه إزعاجًا أجمل من أعظم مقطوعة موسيقية، وأن الضحكة مع صديق من موقف عابر أجمل من أجمل مسرحية بطلها ممثل مشهور، وأن الوقت الذي تقضيه مع أحبتك أثمن من الوقت الذي تعطيك إياه ساعة ذهبية باهظة الثمن. تعلمنا الحياة أن سرها في بساطتها، وأن شجاعة التسامح أقوى من شجاعة الانتقام، والتنازل عطفًا وكرمًا أكثر قناعة للنفس، وأن راحة الضمير أنعم من وسادة ريش النعام، وأن ما في الحياة أقل بكثير مما تعتقد أنه يستحق العيش بقلب من حجر. اليوم عندما أنظر إلى ما عندي لا أرى سوى ضحكات أحبتي والأصدقاء، كلماتهم التي استوطنت الذاكرة، حماقاتهم المجنونة، ومواقفهم الإنسانية وهم في قوتهم وضعفهم، وجوههم وهو يدّعون الغضب، وهم يبتسمون، وهم يكبرون، واللقاءات الأخيرة التي جمعتنا. أنظر في الصور القديمة فأمسك بتلك الأوقات، أشعر بأنها أثمن من كل شيء كنت سأجنيه بعيدًا عنهم. تعلمنا الحياة أن الأحبة والأصدقاء هم الأوقات والأماكن والطرقات والتواريخ، وأن جغرافية الإنسان حيث يكون بينهم.
أحلام مستغانمي: نحن لا نكتب إهداءً سوى للغرباء، وأما الذين نحبهم فهم جزء من الكتاب وليسوا في حاجة إلى توقيع في الصفحة الأولى.