|


أحمد الحامد⁩
الصبغة.. ما ضبطت!
2024-11-28
منذ مدة وأنا لا أرى الكلمات والأرقام البعيدة بوضوح، أراها تهتز وكأن لها ظلال، حتى الكلمات الصغيرة القريبة لم أستطع قراءتها بسهولة، ولأني أرفض عوامل الزمن، ولأني أعتقد أن الإنسان يبقى شابًا طالما بقيت روحه حية يملؤها النشاط، لم أهتم بالرسائل التي وجهتها عيني. لكن مضطرًا صرت أطلب ممن يجلس بجانبي قراءة الكلمات الصغيرة، وأسأله عن بعض الأرقام والكلمات على شاشة التلفزيون. هكذا مشت الأمور طوال السنتين الماضيتين، حتى جاء موعد تجديد رخصة القيادة التي تتطلب فحصًا إجباريًا للنظر. لم يكن فحصًا عاديًا، بل مكاشفة من الزمن، وما آلمني أن أحد الأصدقاء الشباب كان برفقتي أثناء الفحص، و كان يضحك كلما أخطأت في قراءة حرف، وقد ضحك كثيرًا للأسف، لم يحترم مشاعري المُحبطة، ولا فارق السن بيني وبينه، حتى أنه خرج من غرفة الفحص من شدة الضحك بعدما قلت للفاحص أنني لا أستطيع التفريق بين كل الحروف في السطر الأخير. بعد خروجي اتجهت للمقهى لأستوعب الأمر، ثم اتجهت نحو محل النظارات الذي أجرى فحصًا كاملًا، وأوصى أن ألبس نظارة تقرب البعيد، وتكبّر القريب، وظلالًا على العدسة ضد الأنوار المسائية العاكسة، وظلالًا أخرى ضد أشعة الشمس. كانت مجموعة عدسات في عدسة واحدة، وإلى الآن تتقافز أمامي كلمات الفاحصين: الحمد لله أنك لم تصدم أحدًا بسيارتك.. من الطبيعي أن يضعف نظرك لتقدمك في السن! يا جماعة.. بعيدًا عن عوامل التقدم في السن أنا وفي داخلي ما زلت ذاك الشاب، صدقوني إن ما في داخلي لا يشبه ما في خارجي، ما زلت ألعب «مطارح» مع أبنائي الصغار، وأركض نحو الكرة أينما وجدت أطفالًا أو أحدًا يلعب بها، وما زلت أجلس مع من يصغروني بعشرين عامًا، وأتحدث معهم بتوافق في الأفكار والآمال، صدقوني عقلي وقلبي لا يشبهان ملامحي المتقدمة في السن!. أعلم لا حلول أمام الزمن، الزمن يهزم الجميع. سأحاول التعايش مع التغييرات بصبر وثبات، سأبقي ما يظهر من شيب جديد، لن أفعل ما يفعله صديقي الذي يصبغ شعره كل مدة، آخر مرة رأيته فيها كان لون شعره «برتقاليًا»، ضحكت عليه حتى تعبت من الضحك، قال إن الصبغة «ما ضبطت».