|


عبد المحسن القباني
ماذا قالت إندونيسيا عنا؟
2024-12-21
في أكتوبر 2022 زار البولندي شيمون جانكزيك السعودية للمرة الأولى، انتدبته صحيفة Weszło البولندية لسبر أغوار الكرة السعودية، استعدادًا لفك ألغاز منتخبها قبل مواجهتهما في مونديال الدوحة الماضي. مكث في الرياض وحضر مباراتين وزار الهفوف والدمام. أعجبه كنو ولمح تفاهمات بانيجا وفواز الصقور ولفت نظره سامي النجعي. لم يستطع أحد الحديث معه وهو يتابع مباراة في الملز، لأنه منشغل بتدوين كل شيء. عاد لبلاده وكتب عدة تقارير تجاوز الواحد منها ألف كلمة، والتقى بفراس البريكان وكتب عنه تقريرًا قارب الألفي كلمة، وزار رينارد في بيته في الرياض، وانفرد معه بحوار خاص.
كانت زيارته وإنتاجه الغزير درسًا لمن يفطن. إنه يمثل موقعًا بولنديًّا، ويقدم لنا دروسًا. نحن نحصر الإعلام وصحافتها في المؤسسات العابرة للقارات مثل سكاي ونيويورك تايمز ونحوهما، ونظن أن ما عداهم يموت ويفنى. كلا، فهذه المؤسسة البولندية ليست طليعة مؤسسات البلاد، ولقد أوفدت مراسلًا للمملكة متحملة كافة تكاليفه. لقد قدَّم تقارير ساهمت في فوز بلاده وتهيئة الرأي العام واللاعبين بشأن منتخب الأخضر الغامض، واستعدوا للمباراة وفازوا بها.
يا لخيبة الأمل حينما أسمع رعشة صوت ياسر المسحل عقب مباراة إندونيسيا الأولى مبررًا للمراسلين التعادل، وذاكرًا أن لاعبي المنتخب الآسيوي يلعبون في أوروبا. من يدقق في التغطية قبل المباراة فلن يجد في برامج الهجاء المسائية أو الصحافة السعودية أي تغطية وافية عن هولنديي إندونيسيا. بل زد على ذلك أن الإعلام ترقب مباراة أستراليا ضامنًا مباراة الرد في جاكرتا. لا أحد منّا قرأ مرة أو درسًا مرتين. خرج رينارد بعد المباراة الثانية قائلًا إن اللاعبين لم يأخذوا المباراة بجدية، وطالب الإعلام السعودي في الأسبوع الماضي بأن يقوم بدوره والمنتخب يستعد لخليجي الكويت.
يا لتعاسة حال المؤسسات، انتدبت النزر اليسير لتغطية مباراتي الجولتين الأخيرتين خارج الديار، بل إن الزميل نواف العقيّل ذكر في بودكاست «مرتدة» أنه ذهب على حسابه لتغطية المباراتين في ملبورن وجاكرتا. لماذا أنشأت SSC قناة إخبارية ولم تقم صلبها، ولم تنتدب لنشراتها أحدًا إلى هناك؟ بل حتى شقيقتها القنوات الرياضية تمثل هيئة حكومية لا تسير وفق معايير الربح، ومع ذلك لم توفد أحدًا.
قد تكون مشكلة مالية، لكن هناك من يقول إنها مشكلة ثقافية، فنحن لا ندرس الآخر بل إن سلوكنا تجاهه سلوك المتبضع المستهلك لمنتجاته. نبتعث الآلاف لينجزوا أبحاثًا عنا ونسلمها لجامعاتهم، وهم يرسلون باحثين إلينا ليبحثوا عن السعودية فكرًا وعملًا وسلوكًا، فنبقى كالكتاب المفتوح، ونصر على ألا نفتح كتبهم. هم أهل الاستشراق والمخطوطات، ونحن أهل التبضع والاستهلاك. نحن نقيّم المدن في السياحة وفق معايير التسوق، لا معايير الثقافة والتشكل. وفي كرة القدم، لا نعجب إلا بالقوى الكبرى، ولا نبذل جهدًا لفهم ما يخفى علينا أو من لم تبلغنا سمعته. هل تريد أن تعرف ماذا قالت إندونيسيا عنا؟: «أنتم مستهلكون للمنتجات لا منتجو معلومات، وحال مؤسساتكم تليق بثقافتكم، ولعل صفعتنا لمنتخبكم توقظ كرتكم وإعلامكم في آن واحد».