|


بطولة الخليج.. اتصالات الليلة الحزينة صنعت المجد الأخضر

الرياض ـ صالح الخليف 2024.12.24 | 12:55 pm

كحلم بعيد المنال، كان السعوديون يتشوفون الفوز بكأس الخليج.. كانت بطولة عصية أرهقت معها الأماني المشروعة.. سنين عددا، والطموحات المستحيلة تردف بعضها بعضًا بلا نهايات منتظرة.. محاولات أضناها الأمل فيما الشمس كانت دومًا تحتجب وراء سحابات عنيدة.. لكن كل هذا لن يلغي القول وبكل وضوح وصراحة ومباشرة، إن بطولة الخليج ما كانت سوى دروب ممهدة إلى مجدٍ سعودي يتجاوز آفاق كل حاجة تشبع مذاقات الفرحات الصاخبة.. كان حال الأخضر السعودي مع بطولة الخليج وعنادها وتمنعها كما قال المفكر الكبير غازي القصيبي في بيت شعر خالد:
وتشاء أنت من الأماني نجمةً.. ويشاء ربك أن يناولك القمر…



كان السعوديون يريدون بطولة الخليج بأي طريقة، وأي وسيلة، وأي نتيجة فإذا بإرادة الله تمنحهم ما يفوق كل أحلامهم ليفوزوا بكأس آسيا ويتزعمون أكبر قارات الأرض في تغيرات دراماتيكية ما كانت تخطر على قلوبهم.. قصة تشابكت فيها الخيوط الملونة حتى نُسجت الكلمة الأولى في تاريخ الإنجازات الكروية السعودية.. يوم التاسع من مارس للعام 1984 تنطلق بطولة الخليج السابعة باستضافة العاصمة العمانية مسقط.. يذهب السعوديون إلى تلك المنافسة والأمل يحدوهم بتسجيل حضور جديد يفضي إلى ملامسة الذهب.. كانوا قد أكملوا عامين متواصلين تحت قيادة الداهية البرازيلي ماريو زاجالو الذي يلقب في بلاده بالبروفيسور، إيمانًا بعقليته الكروية الماهرة، وأدواره التاريخية في نفوذ الحرفة البرازيلية على المستوى العالمي.. يبدأ الأخضر مشواره في مسقط أمام القطريين ويخسر بهدفين لهدف.. يستعيد توازنه في المواجهة الثانية ويكسب عمان بثلاثية.. يواجهه في اللقاء الثالث المنتخب العراقي المدجج بأسماء قوية تمثل جيلًا استثنائيًا لأسود الرافدين بوجود حسين سعيد وأحمد راضي وعدنان درجال وناظم هاشم.. تتلقى الشباك الخضراء رباعية قاسية كانت بمثابة رصاصة الرحمة.. تهب عاصفة الغضب، وتتحرك القيادة الرياضية السعودية لمعالجة ما يمكن علاجه.. وبالطبع كان القرار الأول إقالة زاجالو وإنهاء حقبة البروفيسور في المنطقة.. يرحل زاجالو ويتحدث حينها للصحافة البرازيلية عن صعوبة تدريب اللاعبين السعوديين كونهم غير منتظمين ولا يتدربون بجدية، ولا يمتلكون صفات العازمين العقد لتحقيق الإنجازات.. تتسارع خطى التصحيح في ليلة الخسارة.. يتلقى المدرب السعودي خليل الزياني اتصالًا مفاجئًا من مدير مكتب الأمير فيصل بن فهد يطالبه فيها بالتوجه سريعًا إلى مسقط.. يعود الزياني بعدها بوقت قصير ليخبره استحالة إتمام هذه الرحلة لعدم توفر رحلات بين الدمام والعاصمة العمانية في اليوم ذاته.. تتوالى الاتصالات ما بين مكتب فيصل بن فهد والزياني وتنتهي بتأمين طائرة خاصة تنقل المدرب الشرقاوي إلى مسقط ليتولى زمام الأمور الفنية خلفًا للبرازيلي المغضوب عليه.. في مسقط طارت الطيور بأرزاقها، وما عاد للصقر السعودي فضاءٌ رحبٌ للتحليق حول حمى الكأس.. انحصرت المنافسة بين القطريين والعراقيين.. أكمل الزياني البطولة بقناعة مكتملة الأركان أن المركز الأول ذهب مع الريح.. تنتهي بطولة الخليج ولم يعد فيها من ذكرى سوى الهزيمة المؤلمة وتولي الزياني المهمة الطارئة التي ستفتح فيما بعد أبواب التاريخ المجيد..



بعد قرابة الخمسة أشهر، يجد الزياني نفسه في واحد من أصعب الامتحانات التي يواجهها المدربون.. يدخل بطولة معقدة تتنافس فيها منتخبات متفوقة أمامه بالتصنيف والخبرة والمهارة والسمعة.. كوريا والكويت وإيران والصين.. كلها ما كان الفوز أمامها ولا حتى التعادل معها حدثًا كرويًا عابرًا، فضلًا على اللعب فوق أرضية مبللة بالمطر والوحل لم يعتد اللاعبون السعوديون ممارسة اللعبة عليها.. كل ما في البطولة الآسيوية يضع الأخضر وراء الترشيحات.. كسر الزياني ولاعبوه التوقعات بقيادة النجم الأسطوري ماجد عبد الله وكتبوا أول وأغلى بطولة في عداد الإنجازات الكبيرة.. يتكرر المشهد في العام 1988 بضيافة الدوحة القطرية ويعتلي الأخضر مجددًا القمة الآسيوية.. بطولة الخليج تواصل عنادها، وتستمر حكاية الكأس المستعصية.. تتعالى طموحات السعوديين ما بين آسيا والوصول إلى كأس العالم.. يتأهل الأخضر للمرة الأولى في تاريخه إلى المونديال ويعبر نحو دور الستة عشر، ويسجل حضورًا كبيرًا في المنافسة العالمية بضيافة الولايات المتحدة الأمريكية.. آسيا والمونديال فيما لاتزال الخليجية غائبة.. تأتي طائعة في العام 1994 بعد أن تعالت الطموحات وبات السعوديون لا ينظرون إليها بنظرات الحالمين.. يتذكر الزياني نفسه حادثة التكليف المفاجئ.. يتذكر الطائرة الخاصة.. يتذكر الاتصالات المتسارعة.. يعدها كلها وراء تعرف السعوديين على طريق المنافسة والذهب والتتويج..
كانت بطولة الخليج نجمة.. وناول الله السعوديين القمر.. ومادام معاي القمر مالي ومال النجوم..!!