|


أحمد الحامد⁩
لمعان الأغاني المكبلهة
2025-01-06
أفضِّل الاستماع لأغنيةٍ مكبلهةٍ طويلةٍ مدتها نصف ساعةٍ، ولا أفضِّل الاستماع لست، أو سبع أغانٍ قصيرةٍ مدتها نصف ساعةٍ. الأغنية المكبلهة عبارةٌ عن مجموعة ألحانٍ متنوِّعةٍ، لكنها منسجمةٌ مع بعضها. قد تستمع في المقطع الأول للبيانو بوصفه بطلَ مقطعٍ هادئ، ثم تنتقل في المقطع الثاني إلى بطولة الإيقاعات، وقد يصبح الكورال في المقطع الثالث مغنيًا مشاركًا للمغني. كل هذا يصنع تنوُّعًا ثريًا، يملأ المستمع بالألحان.
الأغنية المكبلهة، هي التي أظهرت عبقرية الملحنين والشعراء الكبار. أعطتهم المساحة الكافية، واختبرت عمق إبداعهم . في الأغنية القصيرة، توجد جملةٌ لحنيةٌ، وغالبًا ما تتكرَّر طوال زمن الأغنية القصير، ولا تمنح الملحن المساحة الكافية لصناعة ألحانٍ فيها، ولا تعطي الشاعر المساحة الواسعة لكتابة سيناريو، يضع فيه كامل خيالاته. في الأغنية الطويلة، تستمع لموضوعٍ موحَّدٍ، أما لو استمعت في الزمن نفسه «نصف ساعة» لسبع، أو ثماني أغانٍ قصيرةٍ، فستجد نفسك وسط أفكارٍ وموضوعاتٍ غير مرتبطةٍ! ستكون في الأغنية الأولى عاشقًا ولهانًا، ثم ستجد نفسك في الثانية غاضبًا من هجر محبوبتك، وقد تجد نفسك في الثالثة مغادرًا للمدينة كيلا تراها، وفي الأغنية الرابعة، ستكون حائرًا لتأخُّرها على موعدكما! كل هذا في أقل من 30 دقيقةً، عكس الأغنية المكبلهة التي لا تتناقض، وتتنقل فيها الألحان تماشيًا مع الكلمات، والحالة التي وصلت لها.
اليوم عندما أستمع لمجموعةٍ من الأغاني القصيرة لا أكاد أنسجم مع أغنيةٍ حتى تُخرجني الأغنية التالية من الانسجام لاختلاف موضوع الأغنية، وتباعد الألحان بين الأغنيتين. أمَّا في أغنية «خطأ» لمحمد عبده، على سبيل المثال «29 دقيقةً»، فتشعر بأنك في حفلةٍ موسيقيةٍ متنوِّعةٍ، ثم لا تنتهي الأغنية إلا وقد مررت بأنواعٍ من الإيقاعات، وتنوُّعٍ في الألحان، لتحصل في النهاية على عملٍ موسيقي رفيعٍ.
لست هنا أقلِّل من الأغاني القصيرة، فيروز وعديدٌ من نجوم الأغنية، قدَّموا أغاني قصيرةً رائعةً، لكن الأغنية القصيرة بالنسبة لي لا تقف مُنافسةً أمام الحالة التي تصنعها لك الأغنية الطويلة المكبلهة.