|


أحمد الحامد⁩
الأشياء.. وما يقابلها
2025-01-23
كان والد الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكينز يعتقد أن مبلغًا كبيرًا سيصل إليه، من أين؟ متى؟ لا يعلم. ولأنه كان يشعر بقدوم المبلغ الكبير في وقت ما، كان بمجرد استلام راتبه كان "يفلها وربك يحلها"، وبمرور أيام قليلة من الشهر يكون قد قضى على كل راتبه. تراكمت ديونه عند الخباز والبقالة والجزار، وقضى تشارلز الطفل والعائلة ظروفًا صعبة، حتى قبضت الشرطة على والد تشارلز بسبب تراكم الديون، حينها لم يكن المذنب هو من يسجن فقط، كان المذنب وأفراد عائلته يزجون في السجن. داخل السجن عمل والد تشارلز وبقية العائلة أعمالاً يدوية استطاعوا فيها تسديد الديون وعادوا إلى بيتهم. كان تشارلز يحب والده، لأنه حنون وكريم، ومع كل تصرفات والده التي أساءت إلى أسلوب حياتهم بقي يحبه حبًا كبيرًا. في يوم من أيام الظروف الصعبة، كان تشارلز برفقة والده يشاهدان قصرًا رائعًا، فقال والد تشارلز: هل تعلم يا تشارلز أنك إن عملت بذكاء ونشاط ستستطيع شراء هذا القصر. كان والد تشارلز يعلّم تشارلز أن لكل شيء مقابل، وأن شراء القصر الأنيق يقابله المال الذي يتطلب العمل الممتاز للحصول عليه. العجيب أن والد تشارلز كان يعلّم ابنه ذلك، بينما كان يتوهم وصول مبلغ كبير لم يعمل للحصول عليه. لن أطيل في الحديث عن تشارلز ووالده، لكني أذكر أن تشارلز بعد تحقيقه الشهرة العالمية أصبح مليونيرًا في حساب ذاك الزمن، وفي يوم كان يسير فيه شاهد القصر ورأى لافتة مكتوبًا عليها: هذا البيت للبيع. فاشتراه. لا أخفيكم أني وفي فترة محددة كنت مصابًا بنفس الوهم الذي أصاب والد تشارلز، والجيد أني تشافيت مبكرًا وهذا من حسن حظي. مع الوقت يتعلم الإنسان أن لكل شيء مقابل، حتى المحظوظين بحظوظ كبرى في الحياة عليهم أن يقدموا مقابلًا للحفاظ على ما وهبهم الحظ، على الأقل تكون أخلاقهم محترمة. وحتى فيما أكسبتنا إيّاه التقنية اليوم نجد أننا نقدم مقابلًا لها، قدمنا القراءة مقابلًا للسوشل ميديا وفيديوهاتها القصيرة، رضينا بزيادة الوزن مقابل أنواع الحلوى وما لذ وطاب من مطاعم تقدم أنواع النعم، قدمنا ساعات طويلة من العمل لنعيش في بيوت واسعة ومصاريفها كبيرة. لا شيء بلا مقابل.