|


أحمد السويلم
صندوق التضامن للأكاديميات
2025-02-07
كلما شرعت في كتابة مقالٍ جديد لتسليمه للزملاء في «الرياضية» بوقته المحدد، إلا ويسيطر مفهوم الأكاديميات والمواهب على تفكيري أكثر من أي موضوع آخر، لاقتناعي بتطورنا كثيرًا في مسألة التنظيم والاحتراف الإداري ـ خاصة مع بدء مشروع التخصيص ـ، ناهيك عن مشاريع الملاعب المونديالية ومدن التدريب، التي ستختصر الكثير من الوقت في التنمية الرياضية.
غير أننا ما زلنا نعاني من شح المواهب، وهذه ليست بحاجة إلى دراسات معمقة أو بحوث مطولة، ولو عدت للبحث والتقصي في المواهب السعودية خلال السنوات الخمس الماضية ستواجه مشكلة كبيرة في ذكر اسمين أو ثلاثة يمكن وصفهم بالمواهب الحقيقية في كرة القدم.
سبق وأن تطرقت إلى أن النموذج الحالي للأكاديميات يرسخ الربح التجاري للأندية الحاضنة، مع اعتبار تسجيل الأبناء والأطفال في أكاديميات الأندية الكبرى يميل ليكون «وجاهة اجتماعية» أكثر من كونه حاجة فعلية، فالأب يفخر بأن ابنه يلعب في أكاديمية الاتحاد أو النصر ويرتدي القميص بالرعاة ويشارك تحت إدارة مدرب إسباني على ملاعب عشبية، كما يثق في الأكاديميات الكبرى بأنها المكان الأنسب ليتحرك ابنه ويركض عوضًا عن الجلوس في البيت.
وأنا هنا أنتمي للمدرسة القديمة في الاقتناع بالمواهب الكروية، والتأكيد على أن المواهب الحقيقية موطنها الملاعب في المدن الصغيرة، أو الأحياء الشعبية، ولو بحثت في عينة بأبرز نجوم الكرة السعودية خلال عشرين عامًا ماضية ستجد أن البدايات والموهبة الحقيقية تتفجر في تلك الأماكن، ليس لدينا فحسب بل حتى في دول متقدمة كرويًّا مثل البرازيل.
ما أريد الوصول إليه أننا بحاجة إلى سد هذه الثغرة.. حسنًا سنبقي أكاديميات الأندية الكبرى في الأحياء الراقية من المدن ولتكن نشاطًا مجتمعيًّا لسكانها، لكن في الوقت نفسه يجب أن نسلط الضوء على الأحياء والمدن الصغيرة والتي تعد الموطن الحقيقي للمواهب، بشرط أن يكون التسجيل فيها مجانيًّا وليس برسوم شهرية، والبحث عن أي حلول لتمويل تشغيلها ولو بالحد الأدنى، وبطاقم محلي محدود، فالهدف ليس استقطاب اللاعبين بأسلوب أكاديمي وتعليمي على الخطط والطرق الفنية، بقدر ما هو توفير بيئة منظمة للعب كرة القدم وتكثيف المباريات اليومية حتى يبزغ فيها نجم موهوب تتسابق عليه الأندية.
من الممكن أن يكون تمويلها ـ فيما لو اعتبرنا أن اسم الصندوق سيكون صندوق التضامن ـ عن طريق استقطاع نسبة ضئيلة من الأندية الرابحة سنويًّا، ونسبة من قيمة عقود انتقال اللاعبين فيما لو تجاوزت ـ على سبيل المثال ـ 25 مليون ريال، أو عن طريق حوافز للأندية الداعمة كأن يكون دعم الصندوق بمبلغ مالي يتيح لك أن تكون قائمتك السنوية تصل إلى 26 لاعبًا، واعتبار هذا الاستقطاع ضمن مسؤوليات الخدمة الاجتماعية للأندية لتدعم صندوق التضامن الرياضي، فالأندية التي ستوقع مع لاعبين بقيمٍ عالية ستدعم الصندوق بشكل مباشر ولا تتدخل في إدارته.
كما من الممكن أن يكون الصندوق أحد أدوار أكاديمية مهد الاجتماعية، بشرط ـ كما أسلفت أعلاه ـ أن يكون المستهدف المدن الصغيرة والأحياء الشعبية، التي ما زالت ملاعبها الترابية تعيش في أيامها الأخيرة بعد القفزة الاقتصادية التي نعيشها، فلم تعد هناك مساحات فارغة من الأراضي داخل الأحياء كما كان مسبقًا.
ختامًا، قد يكون بناء أكاديميات «النخبة» أمرًا جيدًا، لكن ترك المواهب الحقيقية دون دعم هو خسارة كبيرة لكرة القدم السعودية، صندوق التضامن الرياضي ليس ترفًا ولا برنامجًا يطلق لنصفق ونبارك، بل ضرورة لاكتشاف الجيل القادم من المواهب، فهل سنستمر في البحث عنهم في المكان الخطأ، أم سنوفر لهم البيئة التي تستحقها؟