|


أحمد الحامد⁩
الحفظ.. موهبة العمر
2025-02-25
لو خيّرت بين موهبة كرة القدم وأن أصبح لاعبًا شهيرًا، وبين موهبة الحفظ لاخترت الحفظ دون تردد. موهبة كرة القدم مؤقتة، بينما موهبة الحفظ تنفع الإنسان طول العمر. في المدرسة وكانت مناهجها حينها مرسومة بالمسطرة والقلم للحفظ، كان التفوق من نصيب الطلاب الذين لديهم قدرة الحفظ، وكنت أنا ومجموعة من الطلاب نختار الجلوس خلف الطالب الطويل لنختبئ خلفه كي لا يرانا المعلم إذا ما أراد اختبار حفظنا لنشيد أو آية. لكن ذلك لم يمنعني من التفوق في دروس التعبير والتاريخ والجغرافيا. رافقني ضعف الحفظ أينما ذهبت في الدول الأجنبية، لم أحفظ من لغتها شيئًا رغم تكرار زياراتي لها، لكن المشكلة حدثت عندما أقمت في بريطانيا، كنت أعتقد أنني سأصبح بلبلًا بالإنجليزي، لكني فهمت أن تعلم اللغة بشكل جيد يحتاج إلى حفظ وممارسة. لم أدفع الثمن، وكنت أستمع في لندن لمحمد عبده بدلًا من الاستماع لجون لينون وبول مكارتني، وبدلًا من قضاء الوقت مع الشباب الإنجليزي، قضيته مع الشلة التي علمتني كيف أطبخ المرقوق في نصف ساعة. شاهدت من الأصدقاء في لندن من كانت لديهم قدرة عجيبة على حفظ الكلمات الانجليزية دون نسيانها. عندما وصلت لندن أول مرة وصل في نفس الوقت أحد الأصدقاء، كنا نحن الإثنين (ميح) بالإنجليزي، ولأن لديه قدرة عجيبة في الحفظ، أصبح بعد مدة هو من يترجم لي في الأمور التي تحتاج إلى ترجمة. تمنح موهبة الحفظ صاحبها قدرة الاستدلال بالآيات والشعر والمقولات المهمة، وهذا ما قد يجعل الإنسان خطيبًا ناجحًا، وحكاءً ممتعًا. شرط أن يكون أنيقًا في اختيار المواضيع، وألا يستولي على كل الوقت في المناسبة يحضرها. كان (أبو علي) من رواد ديوانية الوالد رحمهما الله، كان حافظًا للشعر مع المناسبة التي قيلت فيها القصيدة، لكن عيبه أنه كان يفتقد الاختيار المناسب للتوقيت الذي يلقي فيه قصائده، والمشكلة الأكبر أنه إذا استلم الحديث لا يتوقف، ولأن للديوانية أعرافًا كانوا لا يقاطعونه، متحملين في ذلك ثقل طول الاستماع والحشو الكثير في كلامه. في ليلة أطال فيها أبو علي من إلقاء القصائد والحديث التفصيلي الممل عن مناسباتها، وكانت النفوس مثقلة، قال أبو علي متفاخرًا: أنا يا جماعة حافظ أكثر من ألف بيت شعر. فأجابه والدي متخليًا عن صبره: والله لو حافظ القرآن أحسن لك!