|


أحمد الحامد⁩
النصف الآخر من الحقيقة
2025-03-31
منذ بداية رمضان وأنا أرافق أخي الذي يرقد على سرير المرض، أتعرف من قرب على حياة لا نتعلمها في الأيام العادية، ولا المدارس والجامعات. ولا يعلمنا إياها كل من يصورون لنا الحياة على أنها نجاح مالي، وتفوق على الآخرين. في المستشفيات تسقط أمامك كل المظاهر التي يصنعها المال، وتكتشف أنك قضيت سنوات لا تعرف المعنى الحقيقي لامتلاكك أغلى ما يملكه الإنسان، صحته، الصحة التي لا تستطيع استعارتها ولا شراءها، مهما بلغ عدد محبيك من حولك، وحجم أرصدتك البنكية. في المستشفيات يوجد النصف الآخر من حقيقة الحياة، النصف الذي ننسى أنه موجود، لشدة مطاردتنا لأشياء تبدو صغيرة جدًا في حسابات الذين يرقدون على سرير المرض. أشياء تبدو بلا قيمة أمام ضعف الجسد وآلامه، أشياء تبدو تافهة أمام الخوف من فراق الأبناء والأحبة. على الإنسان الذي يشعر بالملل، أو التعب من العمل، أن يزور المستشفيات، أن يشاهد المرضى ويتحدث معهم، حينها فقط سيعلم أن الله رزقه الرزق العظيم، وأنه طالما بعيد عن المرض فهو غني ومرفّه. أقول من الضرورة زيارة المستشفيات والتحدث مع المرضى بشكل متكرر لأن من مشاكل الإنسان أنه سريع النسيان، وينسى النصف الحقيقي الآخر من الحياة بمجرد ابتعاده ومتابعة ركضه. قبل سنوات طويلة سمعت هذه الحكاية من أحد المرضى الذين شافاهم الله: كنت قريبًا من الموت، يصاحبني الألم طوال الوقت، لا أعرف تواريخ الأيام ولا أعدها، دعوت الله كثيرًا أن يشفيني، طلبت أن يعيد لي صحتي وأن يخرجني من المستشفى حتى وإن كنت حافيًا لا أملك ثمن الحذاء، لقد رأيت الحياة التي كنت أظنها عادية ومتعبة جنة لم أكن أعرف قيمتها. شافاني الله وعدت معافى إلى بيتي، لكنني وبعد ستة أشهر من شفائي، وبسبب أمر ما وجدت نفسي أردد: هي هذي عيشة؟