|


عبد المحسن القباني
صحافة روشن بلا قصة
2025-04-12
تلقيت اتصالًا هاتفيًا مؤخرًا من زميل عربي، قضى سنوات في أروقة كبرى المؤسسات الإعلامية. كان سؤاله مباشرًا ومحفزًا للتفكير: ما فرص الإنتاج الرقمي والتلفزيوني حول الكرة السعودية؟ لم ينتظر إجابتي، بل بادر بوصف دقيق لحال إعلامنا الرياضي: "إعلامكم مشغول باليوميات والتغطيات الآنية، غير مكترث بالتفاصيل العميقة، والقصص الإنسانية، وما يختبئ خلف سطور الأحداث".
لم يستغرق كلامه مني وقتًا طويلًا للتأمل، فقد كان صدى لما يجول في خاطري منذ فترة. وتأكدت هذه القناعة أكثر عندما استمعت إلى الزميل محمد الدهش في برنامج "أكشن مع وليد". بينما كان يعرض رأيه في قضية رياضية ما، استطرد ليقص علينا حكاية آسرة عن مجموعة من اليافعين في محافظة المجمعة. هؤلاء الفتية، الذين يقيمون من دون أهاليهم قد أتوا من شتى أنحاء المملكة. يجتمعون في نادي الفيحاء لتحقيق حلمهم بكرة القدم. امتد حديثه ليشمل تفاصيل حياتهم اليومية، وسكنهم، وتمويل دراستهم، ورحلات لرؤية ذويهم. لقد كانت لمحة إنسانية عميقة، كشفت عن جوانب خفية ومؤثرة في المشهد الرياضي. تأسفت حينها أن قصة كهذه عرضت بمعالجة صحافية فقيرة. طرأت عبر رأي عابر لا وثائقي ممنهج.
في كلامه ملخص جوهر ما أفتقده في تغطيتنا الرياضية الراهنة. قلة النبش وضعف المعالجة. نادرًا ما نرى صحافتنا الرياضية تنخرط في استكشاف القصص الميدانية، والإنصات إلى أصوات عامة الناس وخاصتهم، والغوص عميقًا في الأحداث للكشف عن خيوطها المتشابكة وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات. أين التقارير التي تستنطق شغف الجماهير في المدرجات؟ أين التحقيقات التي تكشف عن التحديات التي يواجهها اللاعبون الناشئون في الأحياء؟ أين القصص الإنسانية التي تروي تضحيات العائلات من أجل دعم أبنائها الرياضيين؟.
إن كرة القدم ليست مجرد أهداف ونتائج ومباريات. إنها نسيج اجتماعي وثقافي واقتصادي متشابك، يحمل في طياته قصصًا ملهمة، وتحديات مثيرة، وتأثيرات عميقة على حياة الناس. هناك حكايات تنتظر أن تُروى عن الأندية العريقة وتاريخها المتجذر في وجدان المدن. عن اللاعبين الذين تحدوا الصعاب وحققوا أحلامهم، وعن المشجعين المؤجرين حناجرهم هربًا من فقر وعوز.
دعونا ننفض غبار الرتابة عن إعلامنا الرياضي، ونتجاوز التغطيات السطحية للأحداث. لننطلق في رحلة استكشافية نبحث فيها عن القصص الملهمة، ونستنطق التفاصيل الغائبة، ونقدم للجمهور صورة أكثر شمولية وعمقًا للكرة السعودية. إنها دعوة إلى صحافة تلامس القلوب والعقول. صحافة تحتفي بالإنسان قبل اللاعب، وبالحكاية قبل النتيجة. الكرة السعودية تستحق أن نروي قصصها بأسلوب يليق بعراقتها وشغف جماهيرها.