رغم الاستثمارات الضخمة التي شهدها القطاع الرياضي في المملكة خلال العقد الأخير، وتحديدًا منذ انطلاقة رؤية 2030 المباركة، وبالرغم من تحقيق بعض المستهدفات الاستراتيجية في قطاع الرياضات العالمية في قطاع السيارات والجولف والملاكمة العالمية، إلا أن الإنجازات الرياضية السعودية، وخصوصًا في الرياضات الأولمبية المعنية بإنجاز المواطن والمواطنة السعوديين، لا تزال غير مناسبة لدولة بحجم المملكة، وهي التي منّ الله عليها بتضاريس وتوزيعات جسمانية مختلفة، وبقيادة ضمنت لها بفضل الله استقرارًا سياسيًا، وقوة مالية، وبنية تحتية متقدمة، ومجتمع شاب وطموح.
في المقابل، هناك دول تعاني من تحديات عميقة ومزمنة، سواء اقتصادية أو سياسية أو أمنية، ولكنها استطاعت أن تحقق إنجازات رياضية تفوق بكثير ما حققته المملكة منذ بدأت بالمشاركة الأولمبية قبل نحو 53 سنة «سنة 1972م». ولذلك، طالما طرح هذا الواقع تساؤلًا مهمًا: أين تكمن المشكلة؟ هل هي في الظروف، أم في استراتيجية الرياضة السعودية نفسها؟
فإذا نظرنا عن كثب إلى تجارب عدد من الدول من مختلف قارات العالم، «ولن أتطرق للدول التي تقوم بالتجنيس المؤقت أو حتى الدائم للرياضيين، حيث إنها خارج نطاق المنافسة والمقارنة الطبيعية»، نجد أن هناك دولًا تعاني من تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية قاسية، ولكنها مع ذلك تتفوق رياضيًا على نتائج الرياضة السعودية وبفارق كبير، خصوصًا في الألعاب الأولمبية والإنجازات الرياضية الشخصية للرياضيين السعوديين، فرقًا وأفرادًا.
كولومبيا، على سبيل المثال، ورغم ما تواجهه من نزاع مسلح داخلي شبه مستمر، وفساد وتجارة مخدرات، فقد حققت 38 ميدالية أولمبية، وتأهلت 6 مرات إلى كأس العالم لكرة القدم، ووصلت إلى ربع النهائي عام 2014، وتُعد من أبرز الدول في الألعاب العالمية «وهي دورة رياضية دولية تُقام كل أربع سنوات، تحت إشراف الرابطة الدولية للألعاب العالمية - IWGA، وبدعم من اللجنة الأولمبية الدولية - IOC». ولديها اكثر من 100 لاعب كرة قدم محترف يلعبون خارج كولومبيا، وكل ذلك بمتوسط إنفاق سنوي لا يتجاوز 0.7 مليار دولار على الرياضة.
أما أثيوبيا، ورغم الفقر المدقع والنزاعات الداخلية، فقد حصدت 58 ميدالية أولمبية، معظمها في سباقات المسافات الطويلة، عبر رموز مثل هايلي جيبرسيلاسي وكينينيسا بيكيلي، بميزانية رياضية سنوية لا تتجاوز 150 مليون دولار.
وأوكرانيا، التي تعيش حاليًا في حالة حرب مفتوحة منذ عام 2022، ما تزال تحصد ميداليات في الأولمبياد، 8 ميداليات في باريس 2024 و19 ميدالية في طوكيو 2020، وتبلغ ميزانيتها الرياضية قبل الحرب نحو 0.6 مليار دولار سنويًا.
أما كوبا، وهي دولة صغيرة مساحتها نحو 110 الف كم2، وعدد سكانها لا يتعدى 11 مليون، ومحاصرة اقتصاديًا، تمتلك في رصيدها أكثر من 230 ميدالية أولمبية، معظمها في الملاكمة والمصارعة، بمتوسط إنفاق سنوي لا يتعدى 200 مليون دولار.
وكينيا، التي تعاني من انتشار الفساد والفقر، تُعد من القوى الكبرى في الألعاب الأولمبية، خصوصًا في سباقات الماراثون والمسافات الطويلة، برصيد 113 ميدالية، وتنفق نحو 300 مليون دولار سنويًا فقط على الرياضة.
أما المملكة المغربية، التي تعاني أيضًا من تفاوت اقتصادي وبطالة، تمتلك 24 ميدالية أولمبية، وتأهلت إلى نهائيات كأس العالم 6 مرات، وإلى نصف نهائي كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022، وحققت خلاله إنجاز تاريخي غير مسبوق لدولة عربية أو أفريقية، ولديها اكثر من 100 لاعب كرة قدم محترف يلعبون خارج المملكة المغربية، وكل ذلك بإنفاق لا يتجاوز 0.4 مليار دولار سنويًا.
في المقابل، نحن في المملكة، وسط ذلك الدعم التاريخي للرياضة، وذلك الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، والبنية التحتية التي تتمدد بشكل يومي – لم نحقق سوى 4 ميداليات أولمبية عبر تاريخنا، لا ذهبية بينها «فضية وبرونزية في سيدني 2000، وبرونزيه في لندن 2012، وفضية في طوكيو 2022»، ولاشيء في دورتنا الأخيرة، ولو قسمنا عد ميدالياتنا على عدد السنوات التي بدأنا فيها خوض الأولمبياد، لأصبح: ميدالية واحدة كل 13 سنة تقريبًا. ولو حسبناها من سنة 2000، لأصبح: ميدالية واحدة كل 6 سنوات تقريبًا، رغم أن متوسط الإنفاق السنوي على الرياضة خلال السنوات الأخيرة يُقدر بما بين 3 إلى 5 مليارات دولار، أي ما يفوق إنفاق الدول المذكورة مجتمعة.
القيادة السعودية، وضعت الرياضة كأولوية من أولويات الاقتصاد السعودي بل وكأحد أهم آليات زيادة جودة الحياة، ولم تبخل يومًا بالصرف على الرياضة بشتّى مناحيها، سواءً ببناء المنشآت الحديثة، أو باستقطاب أفضل النجوم والخبراء، وباستضافة أحداث كبرى في الملاكمة، والفورمولا 1، والجولف، وحتى كرة القدم… ولكن يبقى السؤال: لماذا لا تنعكس هذه الاستثمارات في عدد الميداليات والإنجازات الرياضية للأفراد والمنتخبات؟
الإجابة بكل تأكيد، ليست في «نقص الإمكانات»، بل أنها وبشكل شفافية تكمن بوجود خلل في استراتيجية البناء الرياضي. ومن خلال تحليل المشهد، يمكن تلخيص مكامن الخلل المحتملة في النقاط التالية:
1. غياب الاستراتيجية المتخصصة:
وهذه الاستراتيجية الغائبة أو المجهولة على الأقل، تتعلق أولًا بثقافة وآلية صناعة البطل الأولمبي بدءاً من عمر الخمس أو ست سنوات من عمره، وتتعلق ثانيًا باستراتيجية الرياضات الأولمبية بل وبمنهجية إدارتها واختيار تهيئة قادتها. وحيث أنّ تركيز الجهود في المملكة يكون غالبًا على الرياضات الجماهيرية «مثل كرة القدم»، أو الترفيهية الدولية «مثل سباقات السيارات والجولف وغيرها»، قد تُترك الرياضات الأولمبية الأساسية «ألعاب القوى، رفع الأثقال، السباحة، المصارعة…» التي تنحت اسم الدول على جدار التاريخ الرياضي الحقيقي، دون رؤية واضحة أو دعم ممنهج طويل المدى.
2. غياب منهجية الاستكشاف المبكر للمواهب:
تخيّل أن دول مثل كينيا وأثيوبيا «ولن أقول أمريكا أو الصين أو أي دولة أوروبية»، تبدأ باكتشاف المواهب من عمر 6 سنوات، في بيئات محفزة وبمشاركة المدارس والمجتمعات ذات العلاقة بالرياضات المستهدفة، بينما نعاني في المملكة من ضعف شديد في الربط بين رباعي الأسرة والتعليم «بمختلف مستوياته» والصحة والنظام الرياضي. والذي من المفترض أن يشمل الأضلاع الرئيسية لاستكشاف المواهب منذ سن مبكرة، بل وبوضع آلية مفهومة وواضحة ومستمرة لهذه المنهجية.
3. ضعف الحوكمة الرياضية:
بعض الاتحادات الرياضية تفتقر إلى التخصص، وتُدار بطريقة إدارية لا تستند إلى مؤشرات أداء رياضية، حتّى لو غلّفتها بعض النشاطات الإعلامية أو المناسبات المؤقتة، ناهيك عن وجود قياديين في بعض الاتحادات، لا يمتّون للرياضة التي يشرفون عليها بأي صلة، مما يوضّح الضعف الشديد في آلية حوكمة الواصلين لهذه المناصب القيادية، بل وفي كثير من الأحيان، المناصب الفنية البحتة.
4. ضعف برامج إعداد النخبة:
النجاح الأولمبي يتطلب إعداد نخبة نخبوية «Elite Athletes» من عمر صغير جدًا، وهذا لا يتم عبر المعسكرات القصيرة أو الميزانيات غير المستقرة، بل عبر استراتيجيات طويلة المدى، يشترك بها: الأسرة، والمدرسة أو الجامعة والاتحاد المعني واللجنة الأولمبية، وبتنسيق عالي الاحترافية.
5. ضعف التنافس المحلي:
في معظم الرياضات الفردية، لا يوجد دوري محلي «حقيقي»، ولا بطولات منتظمة تُنتج تنافسية محتدمة، تُترجم لاحقًا إلى ميداليات عالمية. حيث أن القاعدة الرياضية العالمية تقول، أن زيادة فرصة وجود النُخب الرياضية ذات المستوى العالي، تنتج من وجود قاعدة واسعة من المنافسات الكثيفة المحتدمة وذات الزخم، وهذه المنافسات تنتج من وجود قاعدة عريضة من الممارسين! والممارسين، يحتاجون لبيئات حاضنة وجاذبة لممارسة أي رياضة، تخلق لها بيئتها ومجتمعاتها الخاصة. وهذا من الصعب مشاهدة في الوضع الحالي.
الحل برأيي يكمن في ضرورة مراجعة شاملة للمنظومة الرياضية الأولمبية. ولذلك، إذا أردنا أن نصبح لاعبًا أساسيًا في الرياضة العالمية، فلا يكفي تنظيم الأحداث واستقطاب الأندية، بل يجب:
• وضع استراتيجية وطنية للرياضات الأولمبية بإشراف فني متخصص، وربطها ببرنامج زمني، وإعلانها بشكل رسمي.
• دمج المدارس والجامعات في الاكتشاف والتطوير الرياضي.
• تطبيق حوكمة صارمة على الاتحادات الرياضية وربط الميزانيات بالإنجازات، وعدم التدخل بتفاصيل عملهم الفنّي طالما أن الذين يعملون عليه من المتخصصين والمؤهلين.
• استثمار ذكي في الألعاب ذات الكلفة المنخفضة والفرص العالية للميداليات، كما فعلت كوبا وأوزبكستان مثلًا.
• تعزيز روح المنافسة المحلية وخلق دوريات لجميع الفئات العمرية في مختلف الألعاب.
بالنهاية، القوة الرياضية والإنجاز الرياضي لأي دولة، لا تُقاس بدخل الدولة أو بعدد الملاعب الموجودة بها، بل بعدد الرياضيين الذين يرفعون علمها في ساحات البطولات وعلى منصات التتويج. والمملكة، تملك كل ما يلزم لتكون من أقوى الدول رياضيًا… إن نحن فقط اعترفنا بالخلل، وعرفنا كيف ومتى ومع من، ومن أين نبدأ. فما أراه الآن كمتخصص، يجعلني أقول، أننا لم نبدأ بعد.
في المقابل، هناك دول تعاني من تحديات عميقة ومزمنة، سواء اقتصادية أو سياسية أو أمنية، ولكنها استطاعت أن تحقق إنجازات رياضية تفوق بكثير ما حققته المملكة منذ بدأت بالمشاركة الأولمبية قبل نحو 53 سنة «سنة 1972م». ولذلك، طالما طرح هذا الواقع تساؤلًا مهمًا: أين تكمن المشكلة؟ هل هي في الظروف، أم في استراتيجية الرياضة السعودية نفسها؟
فإذا نظرنا عن كثب إلى تجارب عدد من الدول من مختلف قارات العالم، «ولن أتطرق للدول التي تقوم بالتجنيس المؤقت أو حتى الدائم للرياضيين، حيث إنها خارج نطاق المنافسة والمقارنة الطبيعية»، نجد أن هناك دولًا تعاني من تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية قاسية، ولكنها مع ذلك تتفوق رياضيًا على نتائج الرياضة السعودية وبفارق كبير، خصوصًا في الألعاب الأولمبية والإنجازات الرياضية الشخصية للرياضيين السعوديين، فرقًا وأفرادًا.
كولومبيا، على سبيل المثال، ورغم ما تواجهه من نزاع مسلح داخلي شبه مستمر، وفساد وتجارة مخدرات، فقد حققت 38 ميدالية أولمبية، وتأهلت 6 مرات إلى كأس العالم لكرة القدم، ووصلت إلى ربع النهائي عام 2014، وتُعد من أبرز الدول في الألعاب العالمية «وهي دورة رياضية دولية تُقام كل أربع سنوات، تحت إشراف الرابطة الدولية للألعاب العالمية - IWGA، وبدعم من اللجنة الأولمبية الدولية - IOC». ولديها اكثر من 100 لاعب كرة قدم محترف يلعبون خارج كولومبيا، وكل ذلك بمتوسط إنفاق سنوي لا يتجاوز 0.7 مليار دولار على الرياضة.
أما أثيوبيا، ورغم الفقر المدقع والنزاعات الداخلية، فقد حصدت 58 ميدالية أولمبية، معظمها في سباقات المسافات الطويلة، عبر رموز مثل هايلي جيبرسيلاسي وكينينيسا بيكيلي، بميزانية رياضية سنوية لا تتجاوز 150 مليون دولار.
وأوكرانيا، التي تعيش حاليًا في حالة حرب مفتوحة منذ عام 2022، ما تزال تحصد ميداليات في الأولمبياد، 8 ميداليات في باريس 2024 و19 ميدالية في طوكيو 2020، وتبلغ ميزانيتها الرياضية قبل الحرب نحو 0.6 مليار دولار سنويًا.
أما كوبا، وهي دولة صغيرة مساحتها نحو 110 الف كم2، وعدد سكانها لا يتعدى 11 مليون، ومحاصرة اقتصاديًا، تمتلك في رصيدها أكثر من 230 ميدالية أولمبية، معظمها في الملاكمة والمصارعة، بمتوسط إنفاق سنوي لا يتعدى 200 مليون دولار.
وكينيا، التي تعاني من انتشار الفساد والفقر، تُعد من القوى الكبرى في الألعاب الأولمبية، خصوصًا في سباقات الماراثون والمسافات الطويلة، برصيد 113 ميدالية، وتنفق نحو 300 مليون دولار سنويًا فقط على الرياضة.
أما المملكة المغربية، التي تعاني أيضًا من تفاوت اقتصادي وبطالة، تمتلك 24 ميدالية أولمبية، وتأهلت إلى نهائيات كأس العالم 6 مرات، وإلى نصف نهائي كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022، وحققت خلاله إنجاز تاريخي غير مسبوق لدولة عربية أو أفريقية، ولديها اكثر من 100 لاعب كرة قدم محترف يلعبون خارج المملكة المغربية، وكل ذلك بإنفاق لا يتجاوز 0.4 مليار دولار سنويًا.
في المقابل، نحن في المملكة، وسط ذلك الدعم التاريخي للرياضة، وذلك الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، والبنية التحتية التي تتمدد بشكل يومي – لم نحقق سوى 4 ميداليات أولمبية عبر تاريخنا، لا ذهبية بينها «فضية وبرونزية في سيدني 2000، وبرونزيه في لندن 2012، وفضية في طوكيو 2022»، ولاشيء في دورتنا الأخيرة، ولو قسمنا عد ميدالياتنا على عدد السنوات التي بدأنا فيها خوض الأولمبياد، لأصبح: ميدالية واحدة كل 13 سنة تقريبًا. ولو حسبناها من سنة 2000، لأصبح: ميدالية واحدة كل 6 سنوات تقريبًا، رغم أن متوسط الإنفاق السنوي على الرياضة خلال السنوات الأخيرة يُقدر بما بين 3 إلى 5 مليارات دولار، أي ما يفوق إنفاق الدول المذكورة مجتمعة.
القيادة السعودية، وضعت الرياضة كأولوية من أولويات الاقتصاد السعودي بل وكأحد أهم آليات زيادة جودة الحياة، ولم تبخل يومًا بالصرف على الرياضة بشتّى مناحيها، سواءً ببناء المنشآت الحديثة، أو باستقطاب أفضل النجوم والخبراء، وباستضافة أحداث كبرى في الملاكمة، والفورمولا 1، والجولف، وحتى كرة القدم… ولكن يبقى السؤال: لماذا لا تنعكس هذه الاستثمارات في عدد الميداليات والإنجازات الرياضية للأفراد والمنتخبات؟
الإجابة بكل تأكيد، ليست في «نقص الإمكانات»، بل أنها وبشكل شفافية تكمن بوجود خلل في استراتيجية البناء الرياضي. ومن خلال تحليل المشهد، يمكن تلخيص مكامن الخلل المحتملة في النقاط التالية:
1. غياب الاستراتيجية المتخصصة:
وهذه الاستراتيجية الغائبة أو المجهولة على الأقل، تتعلق أولًا بثقافة وآلية صناعة البطل الأولمبي بدءاً من عمر الخمس أو ست سنوات من عمره، وتتعلق ثانيًا باستراتيجية الرياضات الأولمبية بل وبمنهجية إدارتها واختيار تهيئة قادتها. وحيث أنّ تركيز الجهود في المملكة يكون غالبًا على الرياضات الجماهيرية «مثل كرة القدم»، أو الترفيهية الدولية «مثل سباقات السيارات والجولف وغيرها»، قد تُترك الرياضات الأولمبية الأساسية «ألعاب القوى، رفع الأثقال، السباحة، المصارعة…» التي تنحت اسم الدول على جدار التاريخ الرياضي الحقيقي، دون رؤية واضحة أو دعم ممنهج طويل المدى.
2. غياب منهجية الاستكشاف المبكر للمواهب:
تخيّل أن دول مثل كينيا وأثيوبيا «ولن أقول أمريكا أو الصين أو أي دولة أوروبية»، تبدأ باكتشاف المواهب من عمر 6 سنوات، في بيئات محفزة وبمشاركة المدارس والمجتمعات ذات العلاقة بالرياضات المستهدفة، بينما نعاني في المملكة من ضعف شديد في الربط بين رباعي الأسرة والتعليم «بمختلف مستوياته» والصحة والنظام الرياضي. والذي من المفترض أن يشمل الأضلاع الرئيسية لاستكشاف المواهب منذ سن مبكرة، بل وبوضع آلية مفهومة وواضحة ومستمرة لهذه المنهجية.
3. ضعف الحوكمة الرياضية:
بعض الاتحادات الرياضية تفتقر إلى التخصص، وتُدار بطريقة إدارية لا تستند إلى مؤشرات أداء رياضية، حتّى لو غلّفتها بعض النشاطات الإعلامية أو المناسبات المؤقتة، ناهيك عن وجود قياديين في بعض الاتحادات، لا يمتّون للرياضة التي يشرفون عليها بأي صلة، مما يوضّح الضعف الشديد في آلية حوكمة الواصلين لهذه المناصب القيادية، بل وفي كثير من الأحيان، المناصب الفنية البحتة.
4. ضعف برامج إعداد النخبة:
النجاح الأولمبي يتطلب إعداد نخبة نخبوية «Elite Athletes» من عمر صغير جدًا، وهذا لا يتم عبر المعسكرات القصيرة أو الميزانيات غير المستقرة، بل عبر استراتيجيات طويلة المدى، يشترك بها: الأسرة، والمدرسة أو الجامعة والاتحاد المعني واللجنة الأولمبية، وبتنسيق عالي الاحترافية.
5. ضعف التنافس المحلي:
في معظم الرياضات الفردية، لا يوجد دوري محلي «حقيقي»، ولا بطولات منتظمة تُنتج تنافسية محتدمة، تُترجم لاحقًا إلى ميداليات عالمية. حيث أن القاعدة الرياضية العالمية تقول، أن زيادة فرصة وجود النُخب الرياضية ذات المستوى العالي، تنتج من وجود قاعدة واسعة من المنافسات الكثيفة المحتدمة وذات الزخم، وهذه المنافسات تنتج من وجود قاعدة عريضة من الممارسين! والممارسين، يحتاجون لبيئات حاضنة وجاذبة لممارسة أي رياضة، تخلق لها بيئتها ومجتمعاتها الخاصة. وهذا من الصعب مشاهدة في الوضع الحالي.
الحل برأيي يكمن في ضرورة مراجعة شاملة للمنظومة الرياضية الأولمبية. ولذلك، إذا أردنا أن نصبح لاعبًا أساسيًا في الرياضة العالمية، فلا يكفي تنظيم الأحداث واستقطاب الأندية، بل يجب:
• وضع استراتيجية وطنية للرياضات الأولمبية بإشراف فني متخصص، وربطها ببرنامج زمني، وإعلانها بشكل رسمي.
• دمج المدارس والجامعات في الاكتشاف والتطوير الرياضي.
• تطبيق حوكمة صارمة على الاتحادات الرياضية وربط الميزانيات بالإنجازات، وعدم التدخل بتفاصيل عملهم الفنّي طالما أن الذين يعملون عليه من المتخصصين والمؤهلين.
• استثمار ذكي في الألعاب ذات الكلفة المنخفضة والفرص العالية للميداليات، كما فعلت كوبا وأوزبكستان مثلًا.
• تعزيز روح المنافسة المحلية وخلق دوريات لجميع الفئات العمرية في مختلف الألعاب.
بالنهاية، القوة الرياضية والإنجاز الرياضي لأي دولة، لا تُقاس بدخل الدولة أو بعدد الملاعب الموجودة بها، بل بعدد الرياضيين الذين يرفعون علمها في ساحات البطولات وعلى منصات التتويج. والمملكة، تملك كل ما يلزم لتكون من أقوى الدول رياضيًا… إن نحن فقط اعترفنا بالخلل، وعرفنا كيف ومتى ومع من، ومن أين نبدأ. فما أراه الآن كمتخصص، يجعلني أقول، أننا لم نبدأ بعد.